ضمن الحملة الأهلية لاحتفالية "القدس" عاصمة للثقافة العربية /2009/ وبدعوة من شعبة الجبهة الوطنية التقدمية الثالثة والمركز الثقافي العربي بـ"حمص" قدّم الباحث الآثاري المهندس "ملاتيوس جغنون" عرضاً موثقاً بالصور والخرائط القديمة لبحثه الذي حمل عنوان (القدس في خريطة مادبا والوثائق التاريخية)، وذلك مساء (14/7/2009) في قاعة الدكتور "سامي الدروبي"، بحضور حشد كبير من متتبعي الأنشطة الثقافية في "حمص".

لإلقاء الضوء حول هذا البحث التاريخي المميز والغاية من تقديمه eHoms التقى بالمهندس "ملاتيوس جغنون" فاشار بداية إلى أن «هذا العرض التقديمي عبارة عن محاولة لرصد أقدم المعالم المعمارية حسبما صَوَّرَتْها خريطة "مادبا" التي تعود للقرن السادس، ومن ثم اقتفاء أثر هذه الملامح في الوثائق الأخرى الأقل قِدَماً وصولاً إلى الصورة الحالية لقدسنا العربية كما تبدو اليوم، بالإضافة إلى القيام بجولة حج افتراضية في تلك المعالم من خلال الصور المتوفرة لدينا».

هذا العرض التقديمي عبارة عن محاولة لرصد أقدم المعالم المعمارية حسبما صَوَّرَتْها خريطة "مادبا" التي تعود للقرن السادس، ومن ثم اقتفاء أثر هذه الملامح في الوثائق الأخرى الأقل قِدَماً وصولاً إلى الصورة الحالية لقدسنا العربية كما تبدو اليوم، بالإضافة إلى القيام بجولة حج افتراضية في تلك المعالم من خلال الصور المتوفرة لدينا

وأضاف: «"القدس" كانت وما تزال موضع اهتمام الفنانين والرحالة والجغرافيين، وقد حظيت بالكثير من الرسوم والخرائط التي صَوَّرَها هؤلاء بالتقنيات التي كانت متاحة لديهم، ولقد وصَـلَتنا بعض هذه الرسوم من عصور مختلفة وهي تشكل وثائق تاريخية قد تتفاوت في قيمتها التوثيقية والتاريخية ومصداقيتها، ولكنها تؤكد الطابع الشرقي العربي الأصيل لهذه المدينة».

الجزء من فسيفساء "مادبا" الذي يصور القدس

وعن أقدم الوثائق التصويرية المتعلقة بالقدس ذكر المهندس "ملاتيوس": «يمكن تصنيف الوثائق إلى: رسوم بالفسيفساء في أرضيات الكنائس الأثرية وعددُها ثلاثة، رسومٌ أو خرائطُ وَضَعَها رحالة مستشرقون أوروبيون أو جغرافيون تراوحت بين الرسوم بالحبر الصيني على الورق الأبيض والرسوم الملونة. ولعلَّ أقدمَ هذه الوثائق التصويرية وأكثرَها إثارةً خريطةُ فسيفساء مادبا المحفوظةٌ اليوم في موضعها الأساسي حيث وجدت، وهي تعود إلى القرن السادس الميلادي، أما بقية الوثائق التصويرية التاريخية التي وقفنا عليها فينتمي أقدمُها إلى القرن الثاني عشر وأحدثُها يعود إلى القرن السادس عشر».

وعن الرسوم الفسيفسائية الثلاثة يذكر المهندس "جغنون": «هناك أولاً تمثيل رمزي مبسط للقدس من جملة تمثيلات رمزية أخرى لعدد من مدن فلسطين وشرقي الأردن، من أرضية فسيفساء كنيسة "أم الرصاص" في شرقي الأردن (كاسترون ميفعت القديمة) وهي تعود للقرن الثامن الميلادي. وهناك أيضاً تمثيل رمزي لمدينة "القدس" ومدينة "بيت لحم" من أرضية فسيفساء كنيسة الشهداء القديسين في "طيبة الإمام"، شمال محافظة "حماة" في سورية. بالإضافة إلى خريطة فسيفساء "مادبا" في شرقي الأردن، وهي الأكثر تفصيلاً، وموجودة في أرض كنيسة القديس "جيورجيوس" بالأردن، وقد قمت بدراسة الجاب الذي يمثل القدس وتحليل كافة الرسومات والعناصر الموجودة بشكل مفصّل».

مخطط لمدينة القدس كما أعده جغرافيين ألمانيين عام /1572/

وفي سؤالنا عن كيفية التعرف على مصداقية خريطة "مادبا"، فيما يتعلق بتمثيلها للقدس ذكر الباحث "جغنون": «في استعراضنا لأهم الوثائق والخرائط التي أشارت للقدس، ومن أبرزها رسم مجسم بالألوان للجغرافيين الألمانيين براون وهوغنبرغ عام 1572، ومن خلال المطابقة بين خريطة مادبا وصورة Google Earth للقدس القديمة اليوم، وجدناً تطابقاً شبه تام بين عناصر خريطة مادبا والصورة الحالية للقدس اليوم، مع ملاحظة أن هناك مدة ألف وأربعمائة عام تفصل بين الوثيقتين، ومع ذلك فإن "القدس" حافظت على أهم معالمها، مع فارق أن الحرم القدسي ليس مُمَثَّلاً في خريطة "مادبا" لأنه لم يُنْشَا إلاّ في أواخر القرن السابع الميلادي».

وتوجهنا للأستاذ "جغنون" بالسؤال: بناءً على البحث الذي قمت به، هل كان هناك هيكل لسليمان في الموضع الذي يشغله الحرم القدسي اليوم؟

جزء من فسيفساء "طيبة الإمام" في أعلاها تمثيل رمزي للقدس

فأجاب: «بالنسبة لما يُرَوَّجُ من أن هيكل "سليمان" كان يشغل مكان الحرم القدسي فدونه حديث آخر

موجود في وثيقة هامة جداً (وهي ليست الوحيدة على أية حال) تدحض هذا الزعم بالدليل الأركيولوجي الدامغ الذي يأتينا من مؤسسة علمية أمريكية مشهورة عالمياً وقريبة من الدوائر الصهيونية، هي الجمعية الجغرافية الوطنية National Geographic Society. والدليل مصدره العدد الصادر من مجلة الجمعية الصادر في كانون الأول /2008/، حيث أرفقت به خريطة للقدس القديمة، مع تعليق يذكر ما ترجمته: "لاتوجد أدِلَّةٌ أثرية مُـثْـبَـتَة من هيكل سليمان. وإنما يستند العلماء في إعادة إنشاءاتهم التخيلية له على الوصف التوراتي في سِفْرَيْ (الملوك الأول وأخبار الأيام الثاني) وعلى الأدلة من حفريات مبانٍ أخرى من تلك الفترة"».

بقي أن نشير أنه من رحلة الحج الافتراضية إلى القدس القديمة، عرّج المهندس "جغنون" بالحديث عن أبواب المدينة المقدسة، من خلال الصور المرفقة وهذه الأبواب هي: باب "دمشق" أو (باب العمود)، باب يافا، الباب الجنوبي، باب المغاربة، الباب الذهبي أو (الباب المسدود) أو (باب الرحمة)، باب القديس "إستيفانوس" أو (باب السباع)، باب "هيرودوس".