يحاول الدكتور "عبد المنان شما" طبع رؤيته للواقع بخطوط عريضة بنهجه الفني في التعبير الملتزم بقضايا إنسانية واقعية، وأسلوب تعبيري رمزي، ليشكل بها لوحات فنية تشكيلية، ويكون من الفنانين الرواد في الرسم الجداري الذي تخطى حدود الوطن.

الفن بالنسبة له هدف وانتماء إلى بيئة فنية وزمن معين، وليس لمجرد الفن؛ فاللوحة لا بد أن تكون هادفة تعبر عن جوهر الحياة. هذا ما بدأ به الدكتور "عبد المنان شما" حديثه لمدونة وطن "eSyria" التي التقته بتاريخ 24 شباط 2018، وبالحديث عن بدايته بالفن يقول: «عشت طفولة عاصرت بها الانتداب الفرنسي، وكأي طفل طالني جانب من ظلمه، وكم أتمنى لو أنني كنت متمكناً حينئذٍ من الفن، لكنت وثقت تلك المرحلة بلوحات فنية.

أنتمي إلى المدرسة الواقعية؛ أول ما أبدأ بالعمل أضع بذهني المتلقي؛ لأنني بالنهاية أنا لا أرسم فقط لنفسي، ويجب أن تكون اللوحة مفهومة للعامة، وأي عمل أقوم به أعمد على إقامة دراسة له من خلال حجم اللوحة والفكرة المراد إيصالها وانتقاء الألوان، ولكون أغلب لوحاتي جدارية؛ أقوم برسمها بحجم مصغر، وبعدها أنقلها إلى الجدارية؛ مستخدماً ألواناً ومواد مختلفة، مثل: "الموزاييك"، و"الفريسك"

تعود بداياتي بالفن إلى مرحلة الطفولة المبكرة كأي طفل يحب أن يعبر عما يدور بذهنه بخطوط ورسوم، لكن رحلتي الحقيقية بدأت بعد معرفتي بالأستاذ "صبحي شعيب" مدرس مادة الرسم في ثانوية "خالد بن الوليد" في "حمص"، الذي كان له الفضل الأول، وكان الداعم الأكبر بتنمية موهبتي وتعلمي الرسم بطريقة أكاديمية؛ وهو ما جعلني في بداية المرشحين لدراسة الفنون التشكيلية في "الاتحاد السوفييتي" عام 1958، حيث التحقت بمعهد "سوريكوف" الشهير، تعرفت فيه إلى الأساليب الأكاديمية للفنون التشكيلية من كبار الفنانين السوفييت، ولدى عودتي إلى "سورية" عام 1965 عملت مدرساً للفن التشكيلي بدار المعلمين في "حمص"، وفي عام 1966 فزت بالمقعد الوحيد لمتابعة الدراسات العليا في "موسكو" بمنحة من كلية الفنون الجميلة، هناك أكملت ما بدأته من قبل. زرت كل المناطق، ورسمت بكل الظروف وكافة البيئات التضريسية، وأذكر أنني اضطررت في إحدى المرات للسباحة مسافة 10كم في شبه جزيرة "القرم" لرسم قرية أثرية على الضفة الأخرى من الخليج، وبعد سنوات الدراسة نلت درجة دكتوراه فلسفة علوم الفن، وهي أول شهادة يحصل عليها فنان سوري، لأعود بعدها إلى "دمشق" عام 1971 وأبدأ مشواري الفني في كلية الفنون الجميلة بـ"دمشق"».

لوحة لأحد البيوت الدمشقية

وعن فلسفته بالفن والمواضيع التي يريد إيصالها من خلال اللوحة، يضيف قائلاً: «فلسفتي بالفن هي نقل الواقع، لكن ليس كصورة فوتوغرافية؛ فالفن هو تحريض الذات للتعبير بحرية عن مكنوناتها، كما أنه نتاج إبداعي يترجم صوراً وأحاسيس يجسدها الفنان في أعماله بكل صدق، لذلك أنا دائم البحث في خيالي وفي البيئة المحيطة التي أنتمي إليها، لأقوم بعملية التعبير الفني بحرية وصدق عما يدور حولي من أحداث، وهذا يأتي من القاعدة الأساسية للفن التشكيلي؛ أنها لازمت الإنسان منذ نشأته، حيث كانت اللوحة وما زالت بصمة هَويتها وزمان إنتاجها واضحة فكراً وفناً؛ لذلك أحاول دوماً تحميل لوحاتي أهدافاً، وأريدها بصمات تعكس الواقع والأحداث؛ فهي التوثيق للحظة، وللمدة الزمنية التي ترافقت معها؛ لذلك مواضيع لوحاتي متنوعة بحسب الحالة الراهنة، لكن يبقى لجمال مدينة "دمشق" القديمة حظ وافر ودائم ضمن لوحاتي».

وعن أدواته بإخراج لوحته وألوانه المفضلة، يتابع قائلاً: «أنتمي إلى المدرسة الواقعية؛ أول ما أبدأ بالعمل أضع بذهني المتلقي؛ لأنني بالنهاية أنا لا أرسم فقط لنفسي، ويجب أن تكون اللوحة مفهومة للعامة، وأي عمل أقوم به أعمد على إقامة دراسة له من خلال حجم اللوحة والفكرة المراد إيصالها وانتقاء الألوان، ولكون أغلب لوحاتي جدارية؛ أقوم برسمها بحجم مصغر، وبعدها أنقلها إلى الجدارية؛ مستخدماً ألواناً ومواد مختلفة، مثل: "الموزاييك"، و"الفريسك"».

من أعمالة لوحة ريفية

عنه يحدثنا الدكتور "ممدوح قشلان" مدرّس في كلية الفنون الجميلة في "دمشق"، قائلاً: «تعود معرفتي بالدكتور "عبد المنان" لسنوات طويلة؛ فهو من الفنانين الأوائل الذين درسوا الفن أكاديمياً في "موسكو"؛ أخذ من أساتذته خلاصة الأسلوب الواقعي في الفن التشكيلي. تتميز أعماله بدقة الرؤية للواقع المرسوم وترابط تكوين عناصر اللوحة الإنسانية والمعمارية، وتوافق المجموعة اللونية مع شطحات في الألوان تشد الناظر إليها؛ يهتم بالتكوينات المعمارية التي يغلب عليها اللون الرمادي، كما يلامس وجع الناس في تعبيراته الإنسانية التي تشد المشاهد للتأمل بها، وهو في الوقت نفسه مربي أجيال من الفنانين الشباب الذين يشغلون الساحة الفنية التشكيلية المعاصرة. ساهم وما يزال بمد الحركة التشكيلية بتطلعاته المستقبلية».

يذكر أن الدكتور "عبد المنان شما" من مواليد "حمص" عام 1937، حاصل على ماجستير بالتصوير الجداري، ودكتوراه في فلسفة علوم الفن من "موسكو". شغل منصب عميد كلية الفنون الجميلة بـ"دمشق"، لديه العديد من المعارض الفردية والجماعية داخل وخارج "سورية"، ساهم في وضع عدد من الاتفاقيات الفنية بين كلية الفنون الجميلة ومثيلاتها في عدد من الدول العربية والأجنبية. لوحاته الجدارية تزين كل من قصري "تشرين" و"الشعب" الجمهوريين في "سورية"، وإشادة بانوراما حرب تشرين التحريرية، كما تزين لوحاته القصر الجمهوري في "روسيا"، وعلى الرغم من تقدمه بالسن، إلا أنه مازال يعمل بإصرار على العطاء والحضور مع طلابه في الجامعة؛ للعمل على استكمال مشروعه بنشر الفن.

لوحة لأحد الأحياء القديمة