اختار الكلمات الجميلة ليُطعمها بموهبته وسرعة بديهته وقدرته على اقتناص اللحظة الخلابة، لتبقى مخزنة في الذاكرة عبر بضعة أبيات زجلية ينتقيها بعناية من حديقة فكره.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 2 تشرين الثاني 2017، مع المهندس "زياد حداد" ليحدثنا عن بداياته بالزجل، فقال: «أن تصحو كل نهار وأنت محاط بطبيعة خلابة كطبيعة قريتي "مشتى عازار" نعمة من الرب، حيث تطبع جماليتها في روحك وعقلك وجسدك، وتترك التفاصيل البسيطة نفحاتها على ما تقدمه لك الحياة، فكل هذه الخضرة والمياه الوافرة والطبيعة الساحرة تمثل بيئة استثنائية للفرد تسمح له أن يتفتح في لحظة ما، فيكون للأدب والشعر والزجل قدرة مميزة على تصوير وحفظ ونقل الواقع الخلاب، كما أن وجود أسرة مشجعة تسمح لأي موهبة أن تنمو بهدوء كالأشجار، فجدي كان بليغاً بالكتابة، وكان أهل القرية قديماً يأتون إليه ليكتب لهم مراسيلهم، وكان والدي وعمي يقولان بعض أبيات الشعر، بينما امتازت أمي وخالي بقول "العتابا"، لذا كانت بدايتي الشعرية مبكرة عبر قصيدة بالفصحى كتبتها في الصف الخامس، وكانت من ثمانين بيتاً مقفاة لكن غير موزونة، ولم أعد بعدها إلى كتابة الشعر الفصيح، وإنما توجهت نجو الزجل بكل جوارحي وشعوري، ورحت أحلق في فضاء الحروف والقصائد».

إن أكثر ما يعجبني فيه قدرته على اقتناص اللحظة المناسبة وتجسيدها بقوة لتكون حاضرة أبداً، فارتجاليته وعفويته وقدرته على انتقاء الألفاظ البسيطة والصعبة معاً مكنته من تثبيت موقع قدمه كشاعر يحترف الزجل والشعر المحكي، وكلما طرقت بابه أفاض عليك من حنكته واحترافه للتفاصيل البسيطة، فهو يحمل ذاكرة كسلال العنب في كروم الصيف؛ يختزن فيها قرية جميلة تسحرك بطبيعتها وجمالها؛ وتعكس ظلالها على كل روح تعشق الجمال كروحه

أما عن جمالية الزجل من وجهة نظره، فأوضح: «كانت الأفكار تتدفق في ذهني وتجول بالفطرة، وأظن أن الزجل موهبة لا يمكن تعلّمها، وتكمن جماليته في سلاسته وتصويره لمواقف الحياة اليومية وطرائفها؛ فهو يمثل صورة مدهشة لقدرته على تطويع الحدث بما يناسب الشاعر، حيث يمكن أن يجسد حالة واحدة من وجهتي نظر مختلفتين ومتناقضتين، ويمكن لكل وجهة نظر أن تكون أكثر إقناعاً حسب قدرة الشاعر الزجلي وملكته الأدبية، وكان لدراستي أوزان الزجل بكل أنواعه دور كبير في تمكني من معرفة الفروقات والتفعيلات بوضوح، وقد ساهمت مع عمق المعنى وجمال الصورة في صناعة قصيدة متكاملة، ويمثل الزجل لي حالة روحية تحلق في الفضاء بعيداً عن حرائق العالم وضجيجه، وأفضل من أنواع الزجل "القرادي، والموشح، والمعنى، والقصيد، والشروقي"، ومؤخراً كتبت نوعاً جديداً من الشعر الفصيح يدعى "الهايكو"؛ وهو مأخوذ عن نمط ياباني أخذ يتبلور في العالم العربي حديثاً. ويكمن الزجل في الفكر كنبع ماءٍ صافٍ يسحرك ويرويك، لكنك تبقى عطشاً، لذا كانت معظم قصائدي وليدة اللحظة والفطرة على الرغم من قراءاتي الكثيرة وكتاباتي المتنوعة، ورغبتي القوية في كتابة أشعار مميزة تخلق جنة شعورية وفكرية».

عصام يوسف

أما عن دواوينه ومنشوراته، فقد قال: «نشرت عدداً من القصائد بعد أن اختمرت تجربتي وروافدي في عدة مواقع إلكترونية منذ عام 2011، منها: "خوابي الشعر، وموقع زجل، ومشتاوي، ومرمريتا"، وغيرها. وقد صدر لي ديوان إلكتروني بشعر الهايكو المأخوذ عن فن الزن الياباني في نادي الهايكو العربي، وسأقوم بنشر ديوانين زجليين في المدة القادمة، الأول بعنوان: "لقطات على الماشي"، الذي جمعته منذ 2014، وهو قيد الدراسة للطباعة، والثاني بعنوان: "الفوار"، وعندي عتب على اتحاد الكتاب العرب الذي لا يعترف إلا بالشعر الفصيح، ويأتي الزجل في المرتبة الثانية مع أن الزجل هو ذاكرة الشعب المحكية، حيث يتفرد بأنه يمثل خيالاً خلاباً يسير المتلقي على آثاره مصبوغاً بحالة وجدانية وإنسانية ترسم مشهداً متكاملاً من الصور، وقد احتل الغزل مساحة كبيرة من قصائدي، حيث إنني أحب أن أزرع الفرح وأهتم بردة فعل المتلقي خصوصاً أنه موجه إلى فئة كبيرة من المتابعين بمختلف الأعمار، وأرى أن للشعر ثالوثاً يتضمن الكلمة والمحبة وسمة التواضع، ومن قصائدي المفضلة حول استغلال الطفولة في العمل:

"هاتي الحِمِل يا طِفِلتي بَكّير

تاوَصْلِك والدرب قولي لويْن

عمرِك طَري عالهمّ والتعتير

وقلبي اندمى يا طفلة العيْنيْن

شَعرِك بدَل ما تْسَرّحو الأحلام

وصوتِك عضحكاتو لِعَب بِتْفيق

وخدّك بدَل من نوم ريش نْعام

بَلّش بِلَون الخدّ همّ يْفيق

بِدْعيه يِبْعَتلِك حَلا الإيام

وبَلْكي لَكابوس الحرِب بيزيح

ايدَيْكي بدَل ورقة وكتُب وقْلام

بِلْش الحَطَب بنْعومِتن تجْريح"».

الشاعر الزجلي "عصام يوسف" حدثنا عن تجربة "زياد" الزجلية بالقول: «إن أكثر ما يعجبني فيه قدرته على اقتناص اللحظة المناسبة وتجسيدها بقوة لتكون حاضرة أبداً، فارتجاليته وعفويته وقدرته على انتقاء الألفاظ البسيطة والصعبة معاً مكنته من تثبيت موقع قدمه كشاعر يحترف الزجل والشعر المحكي، وكلما طرقت بابه أفاض عليك من حنكته واحترافه للتفاصيل البسيطة، فهو يحمل ذاكرة كسلال العنب في كروم الصيف؛ يختزن فيها قرية جميلة تسحرك بطبيعتها وجمالها؛ وتعكس ظلالها على كل روح تعشق الجمال كروحه».

الجدير بالذكر، أن" زياد رشيد حداد" من مواليد "دمشق" عام 1974، وقد درس في جامعة "البعث"، قسم هندسة البترول، وهو من منطقة "مشتى عازار" التابعة لقرية "وادي النضارى" في "حمص".