لم تأتِ قصة الطرائف والمواقف المضحكة التي عرفت عن أهالي "حمص" عبر التاريخ عن طريق المصادفة، حيث بدأت تتبلور بدخول "تيمورلنك" الشهير إلى المدينة والقصة التي عرفت عنهم حينئذ.

تاريخ هذه الطرائف استمر على مدى مئات السنوات حتى تبلور على الشكل الحالي للمدينة التي رشحت عام 2010 عاصمة للنكتة والابتسامة في العالم بدعم شعبي وأهلي.

قوة "الجدبة" الحمصية أثارت حفيظة بقية المدن وغيرتها، وكشفت عجزها عن تمثّلها، وخاصة "جدبة" أهل "حمص" مع "تيمورلنك" المغولي عند اجتياحه مدن بلاد الشام، وتعرّضها للخراب والقتل والإبادة والاستباحة، بينما أنقذت "الجدبة" الحمصية مدينة "حمص" من البلاء؛ كما تذكر الثقافة الشعبية، إضافة إلى جذور هذه الظاهرة التي تمتد إلى الرومانيين بحسب بعض المراجع الأهلية والأعياد الخاصة بالمدينة دون غيرها

عن ذلك تناولت مدونة وطن "eSyria" أبرز القصص التي تداولها الناس بلقاء مع الرياضي المعمر "منذر زين العابدين" بتاريخ 1 تموز 2016، فحدثنا عنها قائلاً: «أحتفظ بمواقف وقصص كثيرة عاصرتها إما شخصياً أو عبر مقصوصات في مكتبتي، فهي دليل على روح "الحماصنة" المحبة للحياة والفرح لدرجة أن الأهالي يروون ويتداولون "النكات" فيما بينهم كنوع من الدعابة من دون خجل.

رياض الجاسم

وخلال متابعتي لعشرات السنين لهذه القصص والطرائف حول أهالي المدينة تبيّن لي أن وصف "الحماصنة" بالمجانين بعيد عن الواقع؛ فهم أثبتوا من خلال مواقفهم ذكاءهم وحنكتهم في التحايل على المشكلات والمواقف الصعبة».

ويروي طرائف عرفها الناس عن أستاذه "محي الدين درويش"، فيقول: «دخل الأستاذ إحدى صالات السينما ليكتب نقداً للفيلم المعروض قبل بدء العرض بنحو ربع ساعة، فدب النعاس في جفنيه كالعادة واستسلم للرقاد، ولم يستيقظ إلا حين ربت أحد عمال السينما على كتفه، فاستيقظ مذعوراً، وهو يقول: هل بدأ العرض؟ أجابه: لقد انتهى الفيلم، "صحّ النوم".

منذر زين العابدين

وفي أحد الأيام كان الأستاذ "الدرويش" يلقي على طلابه في مدرسة التجهيز تحليلاً لصور ابن الرومي، وجاء على ذكر بيتين قالهما واصفاً صلعة أبي حفص، وهما: "يا صلعة لأبي حفص ممردة... كأن ساحتها مرآة فولاذ ترن تحت الأكف الواقعات بها... حتى ترن بها أكناف بغداد"، وأخذ يدل الطلاب على مواطن الجمال في البيتين ويصور لهم كيف تهوي الأكف على تلك الصلعة، وهو شرح لاحظ أن عيون الطلاب تتجه إلى صلعته، فما كان منه إلا أن قال: والله العظيم ليست صلعتي».

يؤكد "منذر" أهمية موضوع "الجدبة" الحمصية التي أثبتت دوراً كبيراً في مكانة المدينة على مستوى الذكاء العالي، وعن هذا الموضوع يقول: «قوة "الجدبة" الحمصية أثارت حفيظة بقية المدن وغيرتها، وكشفت عجزها عن تمثّلها، وخاصة "جدبة" أهل "حمص" مع "تيمورلنك" المغولي عند اجتياحه مدن بلاد الشام، وتعرّضها للخراب والقتل والإبادة والاستباحة، بينما أنقذت "الجدبة" الحمصية مدينة "حمص" من البلاء؛ كما تذكر الثقافة الشعبية، إضافة إلى جذور هذه الظاهرة التي تمتد إلى الرومانيين بحسب بعض المراجع الأهلية والأعياد الخاصة بالمدينة دون غيرها».

"رياض الجاسم" أحد سكان أحياء "حمص" التراثية ذكر مواقف تخصّ مثقفي المدينة التي عرفها خلال سنوات حياته الطويلة، وعنها يقول: «ترتبط هذه الطرائف بعادات وطبيعة الأهالي ومثقفيها أيضاً، حيث يروى أن أباطرة الروم كانوا يعيّدون ويحتفلون يوم الأربعاء، فنقلوا العيد إلى أهل "حمص" أيام قوة العلاقة بين المدينة و"روما"، ومنها ما يقال: إن العرب كانت تتشاءم من يوم الأربعاء، فتفاءل به "الحماصنة" ونسب إليهم، وبما أن يوم الخميس هو عيد الجنون، فإن يوم الأربعاء هو وقفة العيد، فتحول عيد الجنون عند أهل "حمص" من يوم الخميس إلى الأربعاء».

ويضيف: «تؤكد الثقافة الأهلية كثيراً من الطرائف والنكات والمقالب ويشيعونها بين الناس، فيتندّرون بها ويجعلونها مواضيع سهراتهم، والجميل عند أهل "حمص" أنهم لا يتوانون عن ذكر الطرائف والنكات التي تستهدفهم ويروونها من دون إحراج أو تردد، فيضفون عليها مزيداً من المرح والدعابة، ويتلقون النكات التي تروى عنهم برحابة صدر، ويعيدون تأليفها من جديد.

وقرأت عن المواقف التاريخية عن ما نقل عن "ياقوت الحموي" في القرن السابع، بقوله: "حتى ضُرب بحماقتهم المثل"، أما أهم من دافع عن "حمص" وأهلها، فكان المؤرخ المعاصر "أحمد وصفي زكريا" في كتابه "جولة أثرية"؛ تساءل فيه عن أسباب تحامل المؤرخين القدامى على المدينة، فقال: "إن أهل حمص كما أعرفهم لا يختلفون في الفطانة والنباهة عن بقية الشاميين"».