يجزم المهندس "وليد الأسعد" أن شهادة العالم الآثاري "خالد الأسعد" لم تذهب هباء بعد أن كرمه وطنه والعالم، وآخرها كان بإطلاق اسمه على قاعة للمنحوتات الجنائزية الفينيقية في متحف مدينة "باليرمو" في "إيطاليا"، وقاعة أخرى في متحف مدينة "بوسطن" بالولايات المتحدة الأميركية.

ففي روما، أقيم حفل رسمي بهذه المناسبة مساء يوم 5 شباط 2016، في "أنطونيو ساليناس" متحف المدينة؛ بحضور ورعاية مستشار التراث الثقافي البروفيسور "كارلو فيرمجيلو" ومديرة المتحف البروفيسورة "فرانشيسكا سباتافورا" وحضور إعلامي لافت.

إن ذكرى تضحيتكم في سبيل الثقافة والإنسانية ستبقى خالدة إلى الأبد، إنك بطل، ها هي الإنسانية التي دافعت عنها تكرمك

مدونة وطن "eSyria" واكبت الحدث وتحدثت مع ابن الشهيد المهندس "وليد أسعد" مدير آثار "تدمر" الحالي؛ الذي تحدث عن هذا التكريم قائلاً: «التكريم بحد ذاته هو منارة وبصيص أمل أمام الناس، وعبر التاريخ بأن تضحية والدي لم تذهب هباء، والإنسان الذي يكرس حياته جاهداً ويكون كل همه حماية تاريخنا وتراثنا الإنساني مؤكد سيجد أناساً يقدرون هذه التضحية، ويحفزون من بعده على أهمية التمسك بالجذور والحفاظ على التراث والدفاع عنه، وهذا الكلام يشعرنا كأسرة الشهيد بقيمة ما قدمه، وأهمية وضرورة العمل من قبل كل الفعاليات والجهات المعنية بالشأن الثقافي على إبراز دور الإنسان بالحفاظ على تراثه وماضيه كركيزة لبناء المستقبل».

الراحل خالد الأسعد

من لا ماضي له لن يكون له مستقبل، هكذا قال الشهيد "الأسعد" قبل استشهاده، يتابع "وليد" قائلاً: «لقد عاش والدي لمبدأ ومات من أجله وهذا فخرنا، وما تقوم به المتاحف العالمية والجهات ذات الصلة بالتراث الحضاري يشعرنا بالقيمة الفائقة للتضحية الكبيرة التي قدمها الشهيد في سبيل تراث بلده، وتسليط الضوء على الجرائم المرتكبة بحق هذا التراث».

أما الجهات القائمة على المتحف في "باليرو" فقد سجلت كلمتها وجاء فيها: «هذه هي المرة الأولى التي يقوم فيها متحف إيطالي بمثل هذه الخطوة، وقد جاءت لتكريم شخص عمل جاهداً خلال أكثر من أربعين عاماً بكل شجاعة وإصرار في الحفاظ على أحد أهم مواقع التراث العالمي، وهو "تدمر" المدرجة على لائحة التراث العالمي لليونسكو، وقد دفع حياته على يد "داعش" لرفضه البوح بأماكن الآثار المخبأة، والتكريم هو عبارة عن إلقاء الضوء في هذا المتحف على أهمية حوار الحضارات والنتاج الحضاري لمجتمعات البحر المتوسط، وتذكير دائم من قبلهم بأهمية التراث والحفاظ عليه، وتوعية الأجيال لذلك من خلال شخص قدم حياته في هذا المجال».

من القاعة الأميركية

بالتزامن مع تكريم "إيطاليا" جرى تكريم الشهيد "الأسعد" في "بوسطن" في الولايات المتحدة الأميركية بإنشاء ركن خاص في قاعة الفن الكلاسيكي الروماني في متحف المدينة، وذلك لإلقاء الضوء وتركيزه على التضحية الكبيرة التي قدمها "الأسعد" لمدينته "تدمر" بوجه خاص، وللفن والآثار التاريخية في العالم بوجه عام.

ويحتوي هذا الركن منحوتة جنائزية مميزة لإحدى سيدات "تدمر"؛ ويعود تاريخها إلى النصف الثاني من القرن الثاني الميلادي، وهي واحدة من 10 منحوتات غاية في الجمال يقتنيها المتحف منذ أكثر من 100 عام، إضافة إلى عرض كتاب بالغ الأهمية عن المنحوتات الجنائزية في "تدمر" كانت قد ألفته البروفيسورة البولونية "آنا سادورسكا"؛ بالتعاون مع الراحلين الدكتور "عدنان البني" و"خالد الأسعد"، ويحتوي الركن كذلك سجلاً خاصاً للزوار للتعبير عن آرائهم.

من روما

وقد سجل أحد الزوار كلمة في سجل الشرف كتب فيها: «إن ذكرى تضحيتكم في سبيل الثقافة والإنسانية ستبقى خالدة إلى الأبد، إنك بطل، ها هي الإنسانية التي دافعت عنها تكرمك».

الجدير بالذكر، أن "الأسعد" من مواليد عام 1932، وهو عالم آثار سوري، شغل منصب مدير الآثار في متاحف "تدمر" منذ عام 1963، عمل مع عدة بعثات أثرية ونال عدة أوسمة محلية وأجنبية، وكان يتحدث عدة لغات إضافة إلى إتقانه اللغة الآرامية، وله نحو 40 مؤلفاً عن الآثار في "تدمر" والعالم، وقد استشهد في آب الماضي في مدينته الخالدة "تدمر".