مدافن تدمرية مزخرفة، أبوابها منحوتة بالحجر، لها شواهد على القبور الفردية مع أغصان نخيل، فيها تماثيل حجرية ومومياءات مكفنة بالحرير...

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 19 تموز 2014، الباحث الآثاري "عقبة معن" الذي تحدث عن المدافن التدمرية، ويقول: «اعتقد التدمريون بالحياة بعد الموت لذلك أطلقوا على مدافنهم اسم "بيت الأبدية"، وكان لكل أسرة مدفنها الفخم المزخرف بالجص أو الحجر أو الفريسكو (أي الرسم على الجص)، وكان في المدفن بئر للسقي والتطهر، وباب من الحجر المنحوت، وعادة ما يكون فوقه نافذة للإنارة والتهوية، وكان يوضع عليه تاريخ البناء واسم صاحبه، أما الجدران الداخلية ففيها قبور على شكل رفوف عمودية على الجدران، تتوضع فوق بعضها بعضاً، يفصل بينها ألواح من الرخام أو الحجر».

تُعد المدافن التدمرية من أهم المدافن المؤرخة على العصر الروماني في المشرق العربي القديم، من حيث تصميم عمارتها وغناها بالزخارف والتزيينات، وهذا الغنى يعكس اهتمام وعناية العائلات التدمرية بموتاهم، ولا سيما أن هذه المدافن تظهر رؤيتهم لفكرة الموت وما بعدها، فقد قدمت محتويات هذه المدافن العديد من الدلائل على اعتقاد سكان "تدمر" بالحياة بعد الموت أي بعالم آخر ينتقل إليه الشخص المتوفى

ويضيف: «بعد الدفن يُغلق القبر بتمثال نصفي يسمى "صلم" أو "نفشا" (أي صنم)، ويُكتب عليه اسم الميت وتاريخ وفاته، وأحياناً تضاف كلمة "هبل" (أي وا أسفاه)، وفي صدر الجناح الرئيسي بالمدفن يوجد السرير الجنائزي، الذي يضم تماثيل باني المدفن وأفراد أسرته الأموات والأحياء، وهي وليمة رمزية تؤنس وحشة الميت في عزلته الأبدية، ويُقام السرير فوق قائمتين بينهما واجهة عليها أيضاً تماثيل نصفية لأفراد الأسرة، وتمثال رب الأسرة عادة ما يكون مضطجعاً وإلى جانبيه زوجته وبعض أولاده وقوفاً، وتكون يد الميت مفتوحة استسلاماً للموت أما الأخرى فتقبض على شيء دليل حب الحياة، ويرتدي الجميع الملابس الجميلة المطرزة، كما تتحلى النساء بالمجوهرات، وقد وُجدت في بعض المدافن البرجية بعض المومياءات مكفنة بالحرير مع حشوات كتابية».

الآثاري همام سعد.

ويبيّن الآثاري "همام سعد" من المديرية العامة للآثار في مجلة "مهد الحضارات" بالقول: «تُعد المدافن التدمرية من أهم المدافن المؤرخة على العصر الروماني في المشرق العربي القديم، من حيث تصميم عمارتها وغناها بالزخارف والتزيينات، وهذا الغنى يعكس اهتمام وعناية العائلات التدمرية بموتاهم، ولا سيما أن هذه المدافن تظهر رؤيتهم لفكرة الموت وما بعدها، فقد قدمت محتويات هذه المدافن العديد من الدلائل على اعتقاد سكان "تدمر" بالحياة بعد الموت أي بعالم آخر ينتقل إليه الشخص المتوفى».

ويضيف: «اعتقد التدمريون منذ البداية أن الميت يستمر في نوع آخر من الحياة بعد حادثة الموت، وأكثر من ذلك، فيشعر بنفس الحاجات والرغبات كما الحياة الأولى، فقدموا له القرابين والأطعمة حتى لا ينقصه أي شيء كما لو أنه حي، فضلاً عن الشعائر الدينية المرافقة، وفي الواقع لا توجد لدينا وثائق كتابية عن الأفكار والمعتقدات الدينية لإنسان عصور ما قبل التاريخ، إلا أنه جسدها من خلال فنونه كالنحت والرسم، وهذه الفنون برهنت على وجود نظام ميثولوجي اجتماعي تحكمه عقائد آمنت بها تلك المجتمعات، وهذه العقائد أظهرت نظرتهم لقضايا الموت والحياة والجنس».

مدفن الإخوة الثلاثة في تدمر.

ويتابع: «أحد أهم المفاهيم المتعلقة بالموت التي كانت سائدة لدى سكان "تدمر" تكونت بناء عليها المعطيات الأولى تتمثل بكلمة نفش "Nefesh"، فأقدم ظهور لهذه العبارة في "تدمر" مرتبط بالصروح الجنائزية البدائية المتمثلة بشواهد القبور الفردية التي عثر على العديد منها أثناء بناء القرية الحديثة، وهذه الشواهد صنفت ضمن عدة مجموعات من الأقدم للأحدث، فقد كانت هذه الشواهد في البداية تحمل اسم المتوفى، وفيما بعد أضيف إليها تمثيل لأغصان نخيل يتدلى منها ستار مثبت بواسطة مسمار من كل جانب، والمجموعة الأخيرة أصبحت تضم إلى جانب الاسم والستار المدلى صورة القسم العلوي للمتوفى، بينما يغطي قسمه السفلي الستار».

التماثيل النصفية داخل المدافن الأرضية