لأنهم يحبون مدينتهم التي عشقوها واشتاقوا إليها قام شباب مدينة "حمص" بإعادة تشغيل وإصلاح "الساعة القديمة" التي تقع وسط ساحة الشهداء في قلب مدينة "حمص"، وذلك بتاريخ 25 أيار 2014.

مدونة وطن "eSyria" واكبت مراحل تأهيل وترميم "الساعة القديمة" في "حمص" والتقت الأستاذ "شحادة مطر" أمين فرع الشبيبة بـ"حمص" بتاريخ 14 تموز 2014، فحدثنا عن فكرة ترميم وإصلاح "الساعة القديمة" وقال: «تعد "الساعة القديمة" رمزاً تاريخياً من رموز "محافظة حمص"، التي طالتها يد الإرهاب كما طالت كل شيء في حمص القديمة، وعند تحرير المدينة القديمة كانت مدمرة بشكل كامل، وكانت عبارة عن هيكل معدني مخرب، ولأن شباب "حمص" يعشقون وطنهم وأرضهم "سورية" قرروا أن يعيدوا تشغيل هذه الساعة الأثرية كرمز لإعادة نبض الحياة إلى هذه المدينة الوادعة التي تعرف بنسيجها الوطني الفريد، وبالفعل بدأ العمل على ترميم وإصلاح "الساعة القديمة" بعد أسبوع تماماً من تحرير المدينة وأنهينا العمل في 25 أيار 2014، وقد تم تشغيل "الساعة القديمة" في حفل جماهيري كبير».

أنا سعيد جداً لأن شبيبة حمص قد كلفتني بتشغيل "الساعة القديمة"، وهذا لم أحلم به يوماً لكوني أعمل في الساعات فـ"الساعة القديمة" تعني الكثير لأهل حمص؛ فهي تمثل العراقة والقدم والتراث الحمصي الذي هو جزء لا يتجزأ من التراث السوري العريق

وأضاف: «نحن حريصون على إعادة التراث الحمصي الذي خربته يد المجرمين الحاقدين، فالشبيبة ستعيد الحياة إلى مدينة "حمص" وإلى ساحاتها، ونحن اليوم بدأنا إعادة الإيقاع إلى ساعتها القديمة التي كانت متوقفة منذ أكثر من 10 سنوات. وسيكون للشبيبة دور بارز في ترميم وإصلاح العديد من معالم "مدينة حمص" خلال الأشهر القادمة».

الساعة القديمة بحلتها الجديدة

ومن أجل التعرف أكثر على تاريخ "الساعة القديمة" التقينا المؤرخ الحمصي الأستاذ "فيصل شيخاني"، الذي حدثنا قائلاً: «"الساعة القديمة" أو كما يسميها أهل "حمص" الساعة العتيقة تعد من أهم رموز "مدينة حمص"، وهي نقطة علام مهمة جداً، وقد وضعت وسط "مدينة حمص" عام 1923 إبان الاحتلال الفرنسي، وتوجد مثيلتها تماماً في إحدى الساحات الرئيسية في مدينة "طرابلس" اللبنانية، وكانت "الساعة القديمة" حينها تحفة نادرة قدمت لمدينة "حمص"، وهي مصنوعة من خليط معدني وتتألف من عدة أقسام: العمود الحامل للساعة وهو عمود معدني مزخرف، أما القسم الثاني فهو هيكل الساعة المعدني المؤلف من ثلاثة أوجه، أما القسم الثالث فهو التاج أو الفانوس الذي يعلو الساعة، أما الجزء الرابع فهو جهاز الساعة المؤلف من ثلاث ساعات.

وقد شهدت هذه الساحة عدداً من الاحتفالات الجماهيرية الضخمة التي قامت في "حمص" خلال القرن العشرين؛ منها الاحتفال الكبير بجلاء المحتل الفرنسي عام 1946، وزيارة الرئيس "جمال عبد الناصر" خلال "الوحدة بين سورية ومصر" عام 1960، والاحتفال بقيام "الحركة التصحيحية" التي قادها القائد الخالد حافظ الأسد عام 1970 وزيارته التاريخية لـ"حمص" عام 1970 بعد قيام "الحركة التصحيحية". ومؤخراً في شهر أيار 2014 رفعت الشبيبة العلم الوطني علم النصر في هذه الساحة التاريخية احتفالاً بالنصر التاريخي الذي تحقق بـ"حمص". وقد سميت ساحتها بـ"ساحة الشهداء" التي كانت تسمى في السابق بساحة "الرئيس جمال عبد الناصر"».

الساعاتي"محمود أبو صالح"

"الساعة القديمة" أعيد تشغيلها بواسطة العديد من الخبراء، ومن أهمهم الساعاتي السيد "محمود أبو صالح" المعروف في "مدينة حمص"، وعن مساهمته قال: «عندما بدأنا ترميم الساعة القديمة كانت مخربة بالكامل وهيكلها مصدع بفعل الرصاص والقذائف التي أطلقها الإرهابيون على وسط المدينة، لذلك قمنا أولاً بتأهيل هيكل الساعة المعدني وإصلاحه وإعادته لشكله الأول ثم قمنا بأخذ مقاسات الساعة من الداخل والخارج لنعيد وضع جهاز ساعة جديد في قلب هيكل الساعة المعدني، ثم قمت بمساعدة ابني "علي أبو صالح" بصنع وتفصيل المينا ووضع الأرقام عليها، ثم صنعنا عقارب الساعة بشكل دقيق، وفي المرحلة الأخيرة قمنا بتركيب جهاز مناسب للساعة؛ وهو جهاز ذو نوعية جيدة جداً مناسب للعقارب الثقيلة الوزن وللساعات الكبيرة الحجم المخصصة للوضع في الساحات الكبيرة.

وبعد كل هذه المراحل وضعنا هذه الأجهزة في هيكل الساعة وتم تشغيلها، ثم قمنا بوضع الزجاج الدائري عليها للمحافظة عليها ولعزلها عن العوامل الجوية، وبالتأكيد كل هذه المراحل تمت بمساعدة ومشاركة شباب مدينة "حمص"».

رفع العلم الوطني في "ساحة الشهداء"

وأضاف: «أنا سعيد جداً لأن شبيبة حمص قد كلفتني بتشغيل "الساعة القديمة"، وهذا لم أحلم به يوماً لكوني أعمل في الساعات فـ"الساعة القديمة" تعني الكثير لأهل حمص؛ فهي تمثل العراقة والقدم والتراث الحمصي الذي هو جزء لا يتجزأ من التراث السوري العريق».

العديد من أهالي "حمص القديمة" ارتسمت على وجوههم البسمة عندما علموا أن ساعة مدينتهم ستبدأ بإيقاع منتظم، وعن ذلك حدثنا السيد "جورج غندور" أحد أهالي "حي الحميدية" عن رأيه بإعادة تشغيل "الساعة القديمة" فقال: «إعادة الحياة للساعة القديمة هو عمل تاريخي بالنسبة لشبيبة حمص؛ فنحن سعداء جداً بذلك لأنها خطوة مهمة لترميم تراثنا الحمصي، ولإعادة الحياة لمعالم تاريخية وشعبية قد شوهتها يد الإجرام ويد التطرف. والمميز بهذا العمل هو مشاركة الشباب فيه بكثافة وتحمسهم لذلك، وهذا واضح من خلال العديد من الأنشطة التطوعية التي ترافقت مع إعادة تأهيل الساعة القديمة كحملات النظافة، وإصلاح الطرق، ومد أسلاك الكهرباء، وغيرها. ونحن ننتظر أن تعود الحياة لهذه الأحياء الأثرية لتعود البسمة في "حمص" كما كانت».

العديد من شباب "حمص" كان لهم دور كبير في إعادة الحياة لساعة "حمص القديمة"، ومنهم الشاب "يامن الداوود" الذي حدثنا عن مشاركته قائلاً: «هذا العمل التاريخي هو ثمرة جهود العشرات من الشباب الذين شاركوا بشكل طوعي في إعادة تأهيل وترميم "الساعة القديمة"، فكنا يداً واحدة مع كل من الساعاتي والخبراء الآخرين الذين قاموا بإصلاح الساعة، ونحن سعداء جداً لمساهمتنا هذه لأنها لا تنسى، فنحن بهذا نكون قد ساهمنا بإحياء تراثنا الذي خربته يد الإجرام».

أما الشاب "خالد المهباني" فقال: «قمنا خلال إصلاح "الساعة القديمة" بالعديد من الأعمال التطوعية منها تنظيف "ساحة الشهداء" حول "الساعة القديمة"، وزرع العديد من الزهور حولها، إضافة لذلك قمنا بطلاء عمود الساعة باللون البني وزخرفته بشكل فني، ونحن فخورون جداً بهذه الأيام التي قضيناها ونحن نعمل لأن ذلك هو جزء من تعبيرنا عن حبنا للوطن "سورية" بيتنا جميعاً».

الجدير ذكره، أن "الساعة القديمة" التي تسمى أيضاً الساعة العتيقة؛ وضعت في الساحة الرئيسية لمدينة حمص القديمة عام 1923، التي كانت من أهم الساحات التجارية، والتي كانت بداية "لطريق حماة"، والتي تتفرع عنها عدة شوارع وأحياء منها: "الحميدية"، و"جورة الشياح"، و"شارع شكري القوتلي"، ومبنى المحافظة الذي كان يسمى في مطلع القرن العشرين "دار السرايا".