اختار الطبّ كعمل إنساني عن قناعة وتصميم، وعاد في أشد الظروف التي يمكن أن يقدم فيها علمه وخدماته للناس، غير أن هاجس الكتابة لاحقه كطيف جميل اقتنص الحروف من ظلام الليل، فأجاد في مواضيع شائكة تدعو إلى التفكير والتساؤل والولوج نحو العقل.

مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 30 نيسان 2018، التقت الطبيب "عبادة معروف" ليتحدث عن تجربته في الحياة، فقال عن بداياته: «كانت حياتي ملأى بالسفر والترحال؛ فقد غادرت مسقط رأسي "حمص" في عمر التاسعة مرافقاً أهلي إلى دولة "الإمارات"، وهناك بدأت تتفتق أولى براعم الكتابة، واستمرت في التصاعدية بعد القراءات الأدبية، ومع بداية المرحلة الثانوية تصاعد الشغف بالكتاب وتنوعت المواضيع، حيث عدت إلى "سورية" بعد انتهاء الدراسة الثانوية، وقضيت عامين في كلية الهندسة الكهربائية والميكانيكية، لم أجد نفسي في هذا المجال، وقررت السفر من جديد على الرغم من معارضة الأهل، لدراسة الطبّ في "أوكرانيا"».

الكتابة متوارثة في العائلة؛ فوالدي الشاعر "سميح معروف"، إضافة إلى أنه مدرّس لغة عربية، وخالي المهندس والشاعر "محمد علي خضور" عضو اتحاد الأدباء والكتّاب العرب، وحاصل على عدة جوائز

ويتابع الحديث عن مهنة الطب: «عدت مع بداية الأحداث تقريباً، وقمت بتعديل شهادتي والبدء باختصاص الجراحة البولية في المستشفى الوطني بـ"حمص". وفي المستشفى، قمنا باستقبال ومساعدة عشرات الحالات والإصابات الحربية، فتطوعت لإسعاف مصابي التفجيرات الحربية، ومصابي عناصر الجيش في مستشفى جمعية "النهضة العربية" عام 2012، وأكملت اختصاصي لاحقاً في مستشفى "الباسل" في "طرطوس"، وما زلت على عهدي في مساعدة من يحتاج إلى العناية من دون تأفّف أو ضجر، وهو واجبي وعملي طالما أنني قادر على ذلك».

كتابه "مبادئ الحياة"

وفيما يتعلق بالناس، وكيفية الوصول إليهم، يقول: «صادفت الكثير من الحالات التي استطعت الوصول إليها ومساعدتها، فالمريض غير قادر على دفع تكاليف علاجه، أو أنه قد وقع ضحية لتشخيص وتدبير خاطئ يحتاج إلى العون، هذه من أساسيات المهنة وقدسيتها، فنحن تعلمنا الطب من أجل الناس، والأمور المادية تأتي لاحقاً.

يقولون إن الطب مجاني في "سورية"، وهذا نوعاً ما صحيح، لكنه في أغلب الأحيان مجاني على حساب الطبيب والطاقم الطبي فقط، ومن وجهة نظري من العار أن يهاجر أطباء "سورية" إلى دول جائعة كـ"الصومال" التي تدفع للطبيب 30 ضعف راتبه في "سورية"، بينما بلده بحاجة إلى خدماته؛ لكوننا في حالة حرب، وهذا ليس انتقاص من أحد، ولا تهجم على أحد، لكنها وجهة نظر فقط».

أما عن تجربته في الكتابة، فأضاف: «في عام 2012، ومع بدء الأحداث التي عصفت بمنطقة "بابا عمرو"، ومع الموت المنتشر في الجوار قررت أن أكتب، وبدأت في كتابي "مبادئ الحياة" تحت ظلال الموت وعلى أضواء الشموع والشواحن، وهو كتاب يحرض الإنسان على التفكير والتعقل والتعلم، ويرفض المسلّمات، ويحاول الإجابة عن التساؤلات الخالدة.

ترددت كثيراً في طباعة الكتاب، لكنني طبعته بعد اقتناعي بفائدته، وقد لاقى أصداء إيجابية أكثر من المتوقع، خاصة أنه لا يجامل المزاج الاجتماعي، والموروث الثقافي المحلي، وقد حاز موافقة وزارة الإعلام، وتم نشره على نطاق ضيق في "حمص"، و"طرطوس"».

وعن السرّ وراء هذا الشغف نحو الكتابة، يقول: «الكتابة متوارثة في العائلة؛ فوالدي الشاعر "سميح معروف"، إضافة إلى أنه مدرّس لغة عربية، وخالي المهندس والشاعر "محمد علي خضور" عضو اتحاد الأدباء والكتّاب العرب، وحاصل على عدة جوائز».

يقول المهندس "إبراهيم الخضور" عن معرفته بالطبيب الشاعر: «طالما تمتع الدكتور "عبادة" بحسّ المغامرة والرغبة في الاستكشاف والتعرّف إلى العالم المحيط بكل تفاصيله ووفق منظور خاص به، وقد ساعد ذلك في تطور مهاراته الاجتماعية المتميزة والقدرة على التأثير في محيطه بكل بساطة. وزادت هذه المهارات إقامته في مجتمعات متنوعة في مرحلتي الطفولة والشباب، التي أكسبته معرفة إنسانية أوسع. كتابه حالة جديدة، وطريقة للإجابة عن أسئلة إشكالية عميقة، وفيه فكر وثقافة عالية، وخلاصة تجربة حياة؛ على الرغم من قصرها، إلا أنها كانت واسعة وغزيرة».

يذكر أن "عبادة معروف" من مواليد "حمص"، عام 1984.