برع برسم "البورتريه" والمناظر الطبيعية، والمواهب التي امتلكها من الصغر ساهمت باعتلائه منصة الرواد الأوائل بمجال الإعلام الإذاعي والتلفزيوني، فهو أول مذيع لنشرة الأخبار، وأول مدير للبرامج في زمن يعجّ بالمبدعين.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 2 حزيران 2017، مع الإعلامي والفنان التشكيلي "مروان شاهين"، الذي تحدث عن طفولته التي عاشها على ضفاف نهر "العاصي"، فقال: «قضيت طفولة سعيدة، حيث كنت محاطاً بأقرباء ساهموا بتفتحي الثقافي والفكري والسياسي، فزوج خالتي الأمير "فؤاد الشهابي" تقلد مناصب سياسية مهمة، وكان يتحدث خمس لغات، ويمتلك مكتبة غنية، فلمس حبي للقراءة وغذى هذا الجانب؛ وكان يقص علي الحكايات عن أهم الشخصيات السياسية، أمثال: "فارس الخوري، وشكيب أرسلان". وامتلاكه لجهاز راديو سمح لي في التاسعة من عمري بالاطلاع على مجريات الحرب العالمية الثانية. ولعب دوراً في تكوين شخصيتي عمي "عبد الكريم" مدرّس ومفتش المعارف، وكان يمتلك مكتبة غنية وعامرة بالكتب والمجلات الأسبوعية الثقافية والمنوعة، وكان يحثني على حفظ أشعار "المتنبي" مع الشرح، ويعطيني أجرتي عن كل بيت شعري. وخالي القصاص والكاتب المسرحي "مراد السباعي" من أهم الشخصيات في "سورية"، حيث كان رفيقي منذ الطفولة، فقد جذب الطفل باهتماماته؛ إذ كان يربي الحمام ويعتني بالزهور، وهو من علمني العزف وأنا في الحادية عشرة من عمري، ولتأثري به كتبت مسرحية وأنا في الثانية عشرة من عمري.

اكتشفت قواعد الخطوط من النظر قبل معرفة مسمياتها، وكانت لدي تجارب جيدة بالخط والرسم، وبعمر 16 عاماً قرأت رواية "الشغف بالحياة" التي تدور حول حياة الفنان "فان كوخ" وتأثرت بها، وكانت دافعاً للاطلاع على تجارب الفنانين التشكيليين أينما أتيح لي ذلك. لم تكن دراسة الفن ممكنة لعدم وجود كلية للفنون، فاخترت دراسة الفلسفة، لكن الحس الفني بقي مرافقاً لي كظلي، وبقيت هاوياً للفن وأعود إلى الحضن الدافئ الملون كلما سنحت لي الفرصة، فأقنعت صديقي الفنان "عبد الظاهر مراد" الذي كان يعمل بمجال الرسم الهندسي بتجربة الرسم بالألوان المائية، وذلك لأشجع نفسي. وكان لأستاذي بالمدرسة الفنان "صبحي شعيب" دور مهم في تعليمي إمساك الريشة، وتعلم الرسم بالألوان الزيتية. وفي الجامعة تعرفت إلى الفنان "أدهم إسماعيل" وتصادقنا، واستفدت من تجربته؛ فهو أول من سلك الطريق الحديث

أتقنت اللغة الفرنسية منذ الصغر، وعندما حدث الاعتداء الفرنسي أمر "شكري القوتلي" بإغلاق جميع المدارس الفرنسية، وحينئذٍ أدرك والدي أن المستقبل للغة الإنكليزية، وعليّ تعلّمها».

أثناء إذاعته نشرة الأخبار من قاسيون

رافقه الفن كظله، فكان شغله الشاغل، حيث قال: «اكتشفت قواعد الخطوط من النظر قبل معرفة مسمياتها، وكانت لدي تجارب جيدة بالخط والرسم، وبعمر 16 عاماً قرأت رواية "الشغف بالحياة" التي تدور حول حياة الفنان "فان كوخ" وتأثرت بها، وكانت دافعاً للاطلاع على تجارب الفنانين التشكيليين أينما أتيح لي ذلك.

لم تكن دراسة الفن ممكنة لعدم وجود كلية للفنون، فاخترت دراسة الفلسفة، لكن الحس الفني بقي مرافقاً لي كظلي، وبقيت هاوياً للفن وأعود إلى الحضن الدافئ الملون كلما سنحت لي الفرصة، فأقنعت صديقي الفنان "عبد الظاهر مراد" الذي كان يعمل بمجال الرسم الهندسي بتجربة الرسم بالألوان المائية، وذلك لأشجع نفسي. وكان لأستاذي بالمدرسة الفنان "صبحي شعيب" دور مهم في تعليمي إمساك الريشة، وتعلم الرسم بالألوان الزيتية. وفي الجامعة تعرفت إلى الفنان "أدهم إسماعيل" وتصادقنا، واستفدت من تجربته؛ فهو أول من سلك الطريق الحديث».

من أعماله بالكونغو

وعن العمل في المجال الإعلامي وقصته مع الأخبار، أضاف: «انتقلت للبحث عن عمل بمدينة "دمشق"، وبالمصادفة علمت عن مسابقة لتعيين مذيعين في الإذاعة، فتقدمت للامتحان الكتابي والشفهي، وأحرزت المرتبة الأولى؛ وعُيّنت معلقاً للأخبار عام 1957، وقدمت أول برنامج إذاعي ثقافي منوع بعنوان: "ألوان"، حيث كانت الوحدة بين "سورية ومصر"، وقد تم تبادل مذيعين بين "القاهرة" و"دمشق"، وكنت منهم، ومن شدة اشتياقي إلى "دمشق" أذعتُ مرة: (هنا الجمهورية العربية المتحدة في دمشق). في عام 1960، طلبني مدير التلفزيون المصري السوري "عبد الحميد يونس" من مدير الإذاعة "يحيى الشهابي" للعمل بالتلفزيون، وعُيّن الدكتور "صباح قباني" مديراً للتلفزيون، واظبنا البث من "قاسيون" لمدة سنة وثمانية أشهر، وكنت أقدم البرامج الثقافية والرياضية، وأول برنامج قُدم كان في اليوم الثاني للبث، بعنوان: "هذا الأسبوع".

وبعدها قدمت برنامجاً ثقافياً باسم "ندوة الأسبوع"، حيث أجريت مقابلات مع أهم المفكرين والأدباء، أمثال: "مهدي الجواهري، والأخطل الصغير، وسعيد عقل" عام 1961.

مقابلة مع الدكتور رفيق الصبان وبديع الكسم

وفي العام نفسه أقمت أول معرض بالمائي والباستيل، ورسمت الطبيعة التي تأسرني بقدر ما تعطيني حريتي، وكثيراً ما أبتعد عن الواقع، وأترك المجال للخيال، لكن ضمن الإطار الطبيعي للوحة، فالشكل الذي أمامي ليس التعبير عنه غاية في حدّ ذاتها، بل هو وسيلة للإحساس باللون ونقله؛ فدلالة اللون هي مفتاح العمل الفني».

ويتابع: «انتقلنا أواخر 1962 إلى "ساحة الأمويين"، وبعد مدة قصيرة حدث الانفصال، فشعرت بالحنين إلى الفن؛ وأقمت معرضاً بالألوان الزيتية برعاية "خالد العظم"، الذي قال: "مروان صاحب بدائع في مجال الفن". واقتنى المتحف الوطني إحدى لوحاتي، ومعرضي التالي عام 1966 أقمته في "بيروت".

ثم كانت فرصة السفر إلى "الكونغو" لتدريس مادة الفلسفة، وهناك استهوتني الطبيعة وألوانها، فكنت أقف مبهوراً أمام هذا الجمال، حيث تعرفت إلى عالم جديد ومبهر أغناني على الصعيدين الفني والإنساني، ورسمت 40 لوحة خلال أربعة أشهر، وعام 1967، أقمت معرضاً بالزيتي في العاصمة "كنشاسا" بحضور كبار المسؤولين، وعندما علموا بمسيرتي المهنية عُيّنت مستشاراً للبرامج المدرسية في الإذاعة والتلفزيون، فوضعت مخططاً للإقلاع، وأصبحنا نزور المدارس ونلتقي الطلاب المشاركين بالفعاليات الرياضية والثقافية، ونجحت في عملي. عُدت بعد أربع سنوات إلى التلفزيون السوري، وعام 1975، عُيّنت مديراً لمعهد الإعداد الإعلامي، وخرّجنا كوادر إعلامية مهمة، ثم أصبحت مراسل "سانا" في "روما" فتعلمت اللغة الإيطالية. وشغف الرسم لم يغادرني، فأقمت معرضاً في المركز الثقافي السوري في "باريس" عام 1986، ثم عدت إلى "سورية"، واستقلت من العمل الإعلامي، وتفرغت للفن، فأقمت عدداً من المعارض في "دمشق" حتى عام 2011».

الفنان" سعد القاسم" قال عن معرفته بـ"شاهين": «ينتمي إلى الأشخاص الذين يصعب عليك الحديث عن تجربتهم الإبداعية بمعزل عن مجمل تجربتهم الحياتية وحضورهم الإنساني؛ فالرجل الذي تعرفه أجيال ستينيات القرن الماضي كأول مذيع أخبار ظهر على شاشة التلفزيون السوري الوليد، تذكره في الوقت ذاته كأحد الإعلاميين المتألقين الذين تركوا أثراً لا يمحى في ذاكرتهم من خلال عمله الإذاعي والتلفزيوني. يبدو الرسم جزءاً أصيلاً من الأناقة التي يتميز بها حضوره الشخصي، وربما هذا ما قصده ضمناً الدكتور "صباح قباني" بحديثه عن ذائقة "مروان" الفنية المترفة، ولطالما كانت برامجه الإذاعية والتلفزيونية مضافةً كريمةً للفنانين على اختلاف مشاربهم، فنراه في المعارض الفنية يتابع كل التجارب، ويبحث عن مكامن الجمال فيها، وتمتلك لوحاته قدراً كبيراً من حرية التحوير والاختزال والإلغاء؛ وهو ما يمنحها تلك الخصوصية المرتبطة بصاحبها، ويحررها من كونها نسخة حرفية عن المشهد الأصلي؛ وهو أمر تعمده الفنان، وإلا لكان لأي صورة فوتوغرافية القيمة الفنية المطلوبة نفسها. لم يدرس "شاهين" الرسم في كلية فنية، غير أنه درس الفن دراسة خاصة، فقد أبدى اهتمامه في التعرف إلى التجارب الفنية المحلية والعالمية ما يتجاوز فعل كثيرين من الفنانين والأكاديميين، وحرص على تجربة التقنيات الفنية المتنوعة باحثاً عن أكثرها توافقاً وميوله مع مشاعر تنوس بين الألوان الزيتية والألوان المائية، وفي الحالتين كان اللون أكثر ما يلفت انتباهه، فظهر غنياً وفيراً ومملوءاً بالحيوية، حتى قال له الفنان "ميشيل كرشة": يجب ألا يكون اسمك مروان بل ملوان».

يذكر أن "شاهين" من مواليد مدينة "حمص"، عام 1939.