لم يقتصر عمل الحلاق في مدينة "حمص" قبل عشرات السنين على الحلاقة فقط، بل تعدى ذلك ليصبح طبيباً عاماً وإسعافياً لأهالي الحارة التي يقيم فيها، ويصف لهم أدوية طبية من الأعشاب الطبيعية.

تحولت الحياة مع تطورها ليصبح عمله أكثر تخصصاً بالاعتماد على قصّات شعر خارجة عن المألوف تواكب أذواق الشباب الجديدة، ويشرح المخرج المسرحي "زكريا مينو" لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 29 حزيران 2016، تاريخ المهنة وأصحابها في المدينة بقوله: «في النصف الأول من القرن الماضي كان الحلاق يحمل حقيبته المحملة بعدة الشغل من مقصات وأمشاط ومرايا وزيوت شعر محضَّرة يدوياً وقطع "الشبَّة"، ويتجول على قدميه في الشوارع والأزقة وبين القرى أيضاً، يظل أكثر من أسبوع أو أسبوعين خارج منزله وهو يتنقل من مكان إلى آخر بحثاً عن لقمة العيش التي يقطفها من رؤوس الناس، وكان يقوم بما يقوم به الطبيب اليوم من معالجة للأسنان والعيون وغيرهما، فكان يحلق لزبائنه على كرسي خيزران له مسند متحرك يُوضع خلف رقبة الزبون ليستند عليه، وأمام هذا الكرسي واحد آخر صغير يُوضع تحت قدميه. كما كان يحلق للناس مقابل "مدّ حنطة، أو مدّ ونصف المدّ ذرة صفراء"، أو خمس ليرات سورية للشخص الواحد طوال عام كامل، وكل ولدين بحلاقة رجل واحد».

كان قص الشعر بنصف ليرة سورية والذقن بربع ليرة سورية، وللطفل ربع ليرة أيضاً، ثم أصبحت حلاقة الرجل بليرة سورية، والذقن بنصف ليرة سورية. وهناك من الزبائن من يحلق بمعدل ثلاث مرات شهرياً ويدفع له خمس ليرات في نهاية كل شهر، كما درج الحلاق على سن الموس الخاص به على قطعة جلدية تُدعى "الآيش" من الجلد الحيواني، وهو جلد جاموس أو جمل

ويتابع حول حلاقة الريف: «كان قص الشعر بنصف ليرة سورية والذقن بربع ليرة سورية، وللطفل ربع ليرة أيضاً، ثم أصبحت حلاقة الرجل بليرة سورية، والذقن بنصف ليرة سورية. وهناك من الزبائن من يحلق بمعدل ثلاث مرات شهرياً ويدفع له خمس ليرات في نهاية كل شهر، كما درج الحلاق على سن الموس الخاص به على قطعة جلدية تُدعى "الآيش" من الجلد الحيواني، وهو جلد جاموس أو جمل».

الجراحة والأسنان والعيون مجتمعة دخلت في اختصاص الحلاقين؛ فكان جراحاً وكحالاً وطبيب أسنان ومزيناً لقص الشعر وختان الأولاد، كما كان حجاماً؛ كما يقول "تمام السقا" أحد سكان الأحياء القديمة سابقاً، والمتابع لعاداتها وتقاليدها، ويضيف: «تنوعت أعمال الحلاقين عندما كنا صغاراً، فلم يقتصر وجودهم في محلهم المعروف بل بحسب الحاجة إليهم، فإن قصد أحده الفلاحين أو الفقراء علق الحلاق عدته في حائط وأجلسه على كرسي من قشّ ليحلق له بموس حاد وجاف يسبب الجروح لأغلب الزبائن، كما اعتاد أغلب أصحاب هذه المهنة على حمل عدة الحجامة كـ"المحجم"؛ وهو آلة مجوفة ورفيعة الرأس مثقوبة من فمها، إضافة إلى طرائق أخرى لها ككؤوس الزجاج من غير حاجة إلى "مص الدم"، أو قد يستخدم "العلق" لسحب بعض دم جسم المريض، وإلى عهد ليس ببعيد كان الحلاق يمارس مهمات طبيب الأسنان ذاتها؛ فيشرط اللثة ويعالج الأضراس والأسنان، وقد يقتلعها، إضافة إلى معالجة أمراض "بنات الأذنين" ورفعها وقطعها أحياناً. ومن هنا عرف الناس المثل الشعبي: "بيكون عم يحلق بيصير يقلِّع أضراس"؛ كناية عن الشخص الذي يشغل نفسه بأمور عدة في آن واحد».

وتبقى بعض العلاجات خاصة بحلاقين لديهم خبرة كبيرة في المجال على الرغم من تطور العلم؛ وذلك لاعتمادهم الأعشاب والأدوية الطبيعية كما يورد "السقا"، ويتابع: «هذه العملية تجرى عند بعض الحلاقين من ذوي الخبرة اليوم على الرغم من تطور وسائل الطب، حيث درجت العادة على ممارسة هذا العمل مجاناً من دون مقابل، وربما يعطيهم والد الطفل هدية بسيطة.

زكريا مينو

وفي حال اجتمع أكثر من زبون في منزل المختار يقوم بحلاقة رؤوسهم وفي الليل على ضوء سراج الكاز، ثم أصبح يحلق على ضوء "اللوكس" قبل أن تدخل الكهرباء إلى القرى السورية. وفي الأعياد والمناسبات الاجتماعية وخاصة في "حمص" كان للحلاق حضور بارز؛ إذ يخرج إلى الاحتفالات كـ"خميس المشايخ"، أو "خميس الأموات"، ويقوم بجمع البيض البلدي الذي يعطى له وتُسمى هذه الأعطية "خميسية"، وكان من المعتاد قبل حلول الأعياد والمناسبات الاجتماعية أن يكتب الحلاق على مرآة صالونه عبارة: "كل عام وأنتم بخير"، فيفهم الزبائن المقصود ويعطونه "عيدية" فوق أجرته؛ وهي عادة سارية المفعول حتى يومنا هذا».

تمام السقا