في أواخر القرن الثامن عشر انطلقت الثورة الصناعية لتطال يدها كل مكان استطاعت الوصول إليه، إلا أننا وأثناء زيارتنا لقرية تقع على كتف بحيرة للماء العذب يحجزها سد الثامن من آذار في محافظة "الحسكة"، تتجلى صور لأغرب المفارقات في العالم، موقع eHasakeh زار القرية ليقف على معاناة الأهالي وواقعها المائي، والتقى العم "سالم غانم المحمد":

«كنا نعيش في قرية مجاورة لسكننا الحالي، ولكن تم غمر جميع أراضينا بمياه البحيرة الإصطناعية، فانتقلنا لنسكن في منطقة أعلى بكثير من سطح البحيرة، وتم بناء محطة لتصفية المياه على أراضينا لا تبعد إلا مئة متر عن منازلنا، ونحن من أحوج البشر إلى الماء فالمياه تذهب منسابة إلى مئة كم عنا، بينما نحرم منها هنا ونشتريها من الصهاريج».

أعطف على هذه العجوز فأساعدها ولكني لا أتواجد في كل المرات التي ترد فيها الماء، ولو تواجدت فأنا لا أستطيع الالتزام فلدي ما أقوم به

ويضيف "سالم": «نحن قدّرنا الله على هذه المشكلة فنحن نمتلك سيارة في حال نفذت المياه من منازلنا ولكن اذهب لترى "وضحة" فهي من يجب أن تتكلموا عن حالتها».

تنزل منحدراً يعجز عنه الأصحاء

*** نداء من "وضحة"

لكل إنسان طاقة في تحمل التعب

وعلى الفور انتقل مراسل ehasakeh والتقى الخالة "وضحة علاوي العاقوب" 60 عاما حيث قالت: «أنا امرأة عازبة لهذا التاريخ وكما ترى فأنا عرجاء، لدي خمسة إخوة تركوني أصارع الحياة المريرة مع والدتي العاجزة وسكنوا المدينة، وأكبر معاناة أكابدها في حياتي اليومية هي الحصول على المياه العذبة، مناديةً "أنا بشارب الغانمين"».

تقول "وضحة": «أنا لا أبعد عن محطة التصفية سوى /1/ كم، ومع هذا فأنا آتي إلى البحيرة وأغرف المياه بالسطل، مع علمي بأنها لا تصلح للشرب ولكن ليس لدي خيار آخر، وأنا أرد الماء كل يوم عدة مرات ففي الشتاء لا يقل ورودي على الماء عن ثمانية مرات، أما في الصيف فتزداد المرات التي أرد فيها لتفوق العشرة، فأنا أسقي بقرتي وبعض الدجاج، ولا أجد وسيلة سوى هذا الحمار الذي أخشى أن يفارقني من شدة التعب فأبقى وحيدة ويقتلني العطش».

وضحة تشرب من الماء الخام

*** الزمن على "وضحة"

تضيف "وضحة": «لقد اشتريت خرطوم بطول /500/ م لجر المياه إلى منزلي، وكلفني /7000/ ل.س ولكنهم رفضوا إعطائي المياه مبررين ذلك بالتعليمات التي يتبعونها».

وبألم يعتصر قلبها تختم "وضحة" حديثها:« لا يشرب الناس في القرية الماء ولا حتى الشاي في منزلي لأنني لا أستطيع إحضار الماء المصفى، ويقولون لي كيف تشربين الماء والديدان تلعب فيه أمام عينيك».

أما "أحمد المحمد" الشاب الذي رافقها في رحلة المياه فيقول: «أعطف على هذه العجوز فأساعدها ولكني لا أتواجد في كل المرات التي ترد فيها الماء، ولو تواجدت فأنا لا أستطيع الالتزام فلدي ما أقوم به».

والسؤال الذي يريد جواباً، هل ستبقى "وضحة" بمنأى عن الحضارة، أم أنها تركت للحفاظ على التراث؟