هي إحدى معالم مدينة "القامشلي" الخالدة، فحجارتها وبُنيانها القديم يُشعرك دوماً بأنها شاهدٌ على حقبة تاريخية لا تزال تَحفرُ وجودها بشموخ الماضي الذي حفره الآباء والأجداد بالصخر، وتعدّ منبعاً للخير والتآلف بين جميع مكونات المجتمع.

مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 2 شباط 2019، وفي إطار بحثها عن المعالم التاريخية، التقت "شمعون إبراهيم صومي"، الذي يعمل كاهناً للكنيسة، ليُحدثنا عن الاسم الذي حملته بالقول: «عندما نستذكر اسم "مار يعقوب"، لا بد أن نتحدث عن غيرته ومحبته التي زرعها في قلوب الجميع، فهو من مواليد مدينة "نصيبين"، وكان معروفاً بفعل الخير وإرشاداته الروحية، وتوعيته للابتعاد عن عبادة الأصنام، حتى تمكن من تشييد كنيسة هناك سنة 313 للميلاد، وعلى أنقاض معبد أصنام "أنطياخوس"، وأتمّها سنة 320م، فكانت آية في الجمال والهندسة المشرقية، وقد كرّسها "مار يعقوب" بحفل مهيب. ولا بد أن نستذكر دوره في افتتاحه مدرسة في "نصيبين" إيماناً منه بنشر الوعي والمعرفة للجميع، ونالت بفضله شهرة واسعة، حتى عدّت أول جامعة لاهوتية في العالم».

تعدّ الكنيسة واحدة من معالم هذه المدينة؛ ليس فقط من الجانب الديني، ولا لكونها أقدم كنيسة في المدينة، بل لما تمثله من ترابط اجتماعي ومؤسساتي بين مختلف الأعمار، فهي دليل واضح على تمسك أبناء "القامشلي" بتاريخهم الذي كُتب من اللبن الترابي، وصولاً إلى التفنن بعمارة الحجارة والأعمدة الحديثة، والأهم الإنسان بما يمثله من قيم ومبادئ

أما عن بناء الكنيسة في "القامشلي"، فيضيف "شمعون": «كل حجرة في هذه الكنيسة أعدُّها تاريخاً وحضارة؛ ليس فقط بالنسبة لي، وإنما لكل سكان هذه المدينة، فبناؤها تم عام 1927، حيث شيدها السكان من اللبن الترابي على اسم القديس "مار يعقوب النصيبيني" أسقف نصيبين، تيمناً بكنيسته التي تحتوي ضريحه في مدينة "نصيبين"؛ معبّرين بذلك عن امتدادهم الثقافي والاجتماعي وصولاً إلى هذه المدينة إبان مجازر الإبادة الجماعية التي ارتكبت على أيادي العثمانيين، والتي تُعرف بمجازر "سيفو" عام 1915، ومنذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا، كان لهذه الكنيسة محبةٌ لا تُضاهيها محبة في قلوب جميع أهالي المدينة من كل الطوائف؛ لما لها من دور في تعزيز العلاقات الاجتماعية وتبادل التهاني في المناسبات والأعياد الرسمية.

الكاهن شمعون إبراهيم صومي

ولا بد أن نتحدث عن العمق الوطني المزروع في هذه الكنيسة، كيف لا وهي من احتضنت العديد من الاحتفالات والندوات التي أُقيمت تحت قبتها في ظل هذه الأزمة التي تعصف ببلدنا الحبيب؟ وقد بقيت حتى يومنا هذا تُنادي باسم "سورية" ووحدتها وسلامة أراضيها. وبالفعل استطاعت أن تكون جامعةً ليس فقط للطيف المسيحي السرياني الآشوري والأرمني، بل للديانات المسيحية والإسلامية».

ويُكمل: «يجب الإشارة أيضاً إلى الجانب الثقافي والاجتماعي الذي انبثق بفضل هذه الكنيسة، ففي بهوها يوجد مقر مطرانية السريان الأرثوذكس الذي يترأسهُ نيافة المطران "مار موريس عمسيح" مطران أبرشية الجزيرة والفرات، ويعدّ المسؤول المباشر عن المؤسسات الكنسية، كالفوج الكشفي الرابع للسريان الأرثوذكس، ومركز التربية الدينية، وفرقة "الرها" للغناء والتراث السرياني، ولجنة السامري الصالح الذين مازالوا يُمارسون دورهم على أكمل وجه ويتناقلونه جيلاً بعد جيل».

مدخل الكنيسة

"أيوب قس شمعون" أحد شمامسة الكنيسة قال عن التطورات التي طرأت على الكنيسة: «ظلت هذه الكنيسة مرجعاً روحياً لجميع أبناء المدينة، ومع تحسن الأوضاع المعيشية تدريجياً أعادوا بناءها، فهدموا الكنيسة الترابية القديمة عام 1947 في عهد مطران الأبرشية آنذاك "مار أسطاثيوس قرياقس تنورجي"، وأقاموا على أرضها ستة عشر محلاً تجارياً تُطل على شارع المدينة الرئيس، وشُيدت الكنيسة الحديثة من الإسمنت المسلح في الجهة المقابلة بتصميم وضعه المهندس المعماري "أرداشيس سيمونيان"، وانتهى بناؤها عام 1953، وقَدِمَ وقتئذٍ قداسة البطريرك "أفرام برصوم الأول برصوم"، وقام بافتتاحها 14 أيار عام 1953».

أما "شربل حنو"، فيقول: «لهذه الكنيسة تجذر تاريخي في حياتي وحياة أهلي، ولشدة حبّي وتعلّقي بها انتسبت إلى الفوج الكشفي الرابع للسريان الأرثوذكس منذ تسع سنوات، وأنا اليوم برتبة نائب قائد في الفرقة الموسيقية. سعادتي كبيرة وأنا أزرع الفرح في قلوب الأهالي عندما نعزف فرحاً بالعيد أو المناسبات الوطنية، ويزيدني إصراراً لأتمسك بما أقوم به، وأعدّه كنزاً حقيقياً، فهذه الفضائل مستمرة منذ عشرات السنين، ومن واجبي أن أحافظ عليها وأنقلها إلى الأجيال القادمة».

الكنيسة من الداخل

ويختم بالقول: «تعدّ الكنيسة واحدة من معالم هذه المدينة؛ ليس فقط من الجانب الديني، ولا لكونها أقدم كنيسة في المدينة، بل لما تمثله من ترابط اجتماعي ومؤسساتي بين مختلف الأعمار، فهي دليل واضح على تمسك أبناء "القامشلي" بتاريخهم الذي كُتب من اللبن الترابي، وصولاً إلى التفنن بعمارة الحجارة والأعمدة الحديثة، والأهم الإنسان بما يمثله من قيم ومبادئ».