الحاجة الملحّة إلى مادة الدقيق، ووجود الأدوات والمياه الكثيرة دفعت عائلة "مايرام" إلى بناء مطحنة في مدينة "القامشلي" قبل عشرات السنين، لم يبق منها الآن إلا ما دونه التاريخ...

مدوّنة وطن "eSyria" التقت الحاج "عبدي سعد الدين" أحد كبار السن في مدينة "القامشلي" بتاريخ 14 كانون الأوّل 2013، الذي تحدث عن مطحنة "الهلالية" التي ولدت مع بدايات ولادة المدينة، وقال: «المطحنة في ذاك الوقت كانت بمثابة نعمتي الماء والكهرباء، لأنها توفر أهم مادة من مواد الحياة وهي "الدقيق"، فمنذ عشرات السنين بنيت تلك المطحنة، وكانت لي لحظات وساعات كثيرة بالوقوف والانتظار إلى جانبها، وهناك طقوس جميلة رافقت وجود المطحنة وأهمها العلاقات الاجتماعية التي بنيت من وقتها وحتّى اليوم، حيث كان يأتي إليها الناس من مختلف مناطق المحافظة، وغالباً ما كان المجيء سيراً على القدمين وتُحمل أكياس الحبوب على دابة ما، لذلك من كان يأتي من منطقة بعيدة كنّا نؤمن له الراحة التامة في بيت من بيوت الأهالي ويتناول الطعام والشراب ويرتاح يوم ومن ثمّ يطحن حبوبه على الفور في الصباح الباكر من اليوم التالي ويذهب دون انتظار الدور».

قريتي "أم الفرسان" التي تبعد عن موقع المطحنة ما يقارب الـ 9 كم، وذهبت مرّة مع والدي إلى المطحنة المذكورة ليتم طحن كيسين من القمح، وفي انتظار دورنا تعرّفنا على الكثيرين من الناس وتبادلنا الأحاديث، وكان لكبار السن الحصة الأكبر في سرد القصص الجميلة، وقبيل غروب الشمس أنجز طحن الحبوب، واتجهنا نحو قريتنا بعد وداع حار مع الذين تعرّفناهم

السيد "هادي الحسين" أحد أبناء ريف "الحسكة" يحتفظ في ذاكرته بتفاصيل عن المطحنة وأجوائها ويقول: «قريتي "أم الفرسان" التي تبعد عن موقع المطحنة ما يقارب الـ 9 كم، وذهبت مرّة مع والدي إلى المطحنة المذكورة ليتم طحن كيسين من القمح، وفي انتظار دورنا تعرّفنا على الكثيرين من الناس وتبادلنا الأحاديث، وكان لكبار السن الحصة الأكبر في سرد القصص الجميلة، وقبيل غروب الشمس أنجز طحن الحبوب، واتجهنا نحو قريتنا بعد وداع حار مع الذين تعرّفناهم».

الباحث جوزيف أنطي

أما الباحث التاريخي "جوزيف أنطي" فله كلمة تاريخية عن المطحنة ويقول: «تأسيس المدينة واتساعها احتاج إلى مجموعة كبيرة من الخدمات وأهمها الدقيق والخبز، وكان يتطلب ذلك وجود مطاحن، وسكان "القامشلي" كانوا يبدعون في كل شيء وبأياديهم كانوا يبنون المطاحن، وخاصة عند الأنهار، ومطحنة "الهلالية" تم بناؤها على مجرى نهر "الهلالية" وكانت تدار من قبل عائلة معروفة تعرف باسم "مايرام" وبما أنها بالقرب من مجرى النهر فكانت تعتمد على ضخ المياه على فراشة المطحنة».

وعن طريقة إنشاء وتصميم المطحنة يضيف: «في البداية تم حفر مساحة واسعة بالطول والعرض، وبعد الحفر تم وضع جميع الأدوات سواء الخفيفة منها أم الثقيلة كل واحدة في مكانها، فالبئر في أعلى منتصف المطحنة، ويجب أن تمتلئ بالماء من النهر الجاري، وتوجد فراشة حديدية في أعلى البئر تستقبل الماء بقوة، كي يدور الميل الذي في أسفل البئر، فتتحرك الفراشة بشدة، وتقوم بطحن القمح إلى طحين، وذلك من خلال الخشبة الصغيرة التي تدق أسفل الدلو، فيضع الطحين في المكان المخصص بالقرب من الفراشة، فالعملية في أكملها بحاجة إلى ضغط الماء فقط في الدرجة الأولى، ولا تحتاج إلا إلى عامل واحد، وفي مثل هذه الأعمال كانت الأيادي تتشابك وتتعاون ليتم إنجاز العمل وفي السرعة الممكنة، علماً هذه المطحنة لم يبق منها أي شيء بسبب تطور الحياة وأدواتها، وأخذت مكانها الدور السكنية والمحلات التجاريّة».