أنتجت مطحنة "ملوك سراي" كميات هائلة من الطحين على مدار سنوات عملها، ورغم أنها محلية وبدائية الصنع إلا أنّها قدّمت الكثير من الفائدة إلى عشرات القرى في زمن كانت المطاحن فيه شبه نادرة.

مدوّنة وطن "eSyria" زارت المطحنة في قرية "ملوك سراي" بتاريخ 8/11/2013 التي لم يبق منها إلا أحجارها وصورها في ذاكرة من عاصرها وواكبها، والتقت الجدّ "حسين الإبراهيم" الذي تحدث عن بدايات المطحنة وقال: «في الماضي البعيد لم تكن التقنيات والآلات الحديثة حاضرة، فكانت الحبوب والمزروعات موجودة وبمساحات واسعة، وحاجة الريف كلها كانت إلى الطحين في الدرجة الأولى، ولأنّ وجود المطحنة في قرية ما كانت تتطلب شروطاً أهمها وجود المياه بكميات كبيرة، وكانت قريتنا تقع على ينابيع وأنهار عديدة، فكان نجاح المطحنة كبيراً، وبالفعل تصدت لبنائها عائلتا: "أصفر" و"نجار" وذلك قبل مئة عام تقريباً، وبعد أن أخذت أكثر من شهر من العمل والجهد وتصنيع أدوات بأيادي محلية وشراء قطع صغيرة أخرى من سوق "القامشلي" كانت من أحدث المطاحن، بشهادة من جرّبها بعد أن اهتم بها صانعوها اهتماماً كبيراً، واستفاد منها أعداد هائلة من القرى، فأكثر من خمسين قرية كانت تعتمد عليها لطحن حبوبها، عدا المجيء إليها من ريفي "الحسكة" و"القامشلي"».

كنت أقطع من ريف "القحطانية" إلى المطحنة مسافة تقدر بخمسين كيلو متراً، ضمن رحلة جماعية فيها عدد من أبناء القرية يضع كل منهم كميات الحبوب التي يريد طحنها على دابته، ويكون السير قبيل شروق الشمس ليكون الوصول مع غروب الشمس، وكانت بمثابة رحلة ممتعة على الرغم من شدة التعب والإرهاق، وعند الوصول إلى مكان المطحنة كان الترحيب والاستقبال في أبهى صوره، وبذلك بنيت علاقات قوية مع قرية "ملوك سراي" منذ ذاك الوقت وحتى اليوم

وأضاف: «كان من يقصدها يقطع أحياناً مسير يوم كامل على الأقدام، وكانت هناك طقوس اجتماعية عديدة ترتبط بعملها، منها التعارف وإنشاء الصداقات والعلاقات القروية، وعلى الرغم من أنّ طحن الحبوب كان حسب الدور، إلا أنه احتراماً للمسافات البعيدة كان صاحب المطحنة وأهل القرية وبموافقة الجميع يقدمون دور البعيد لتسيير أموره، وذلك بعد أن يقدم له واجب الضيافة والترحيب واستراحة يوم عند أسرة من أهالي القرية، وفي الصباح الباكر ينجز عمله ويرحل بوداع حار، وعادة يكون الإقبال على المطحنة في فترة الصيف، لذلك كان الجميع يسهر حولها ويقضي ليلته في سرد القصص والحكايا والمرح والضحك حتى الصباح».

امتداد المطحنة للوصول إلى النهر

أما الحاج "أسعد الخلف" فتحدث عن طريقة بناء المطحنة وآلية عملها وقال: «عملية البناء أخذت وقتاً كبيراً، وجهداً عضلياً كثيراً، والسبب المسافة البعيدة بين مكان المطحنة ونقطة جري الماء من مصب النهر، حيث يجب أن تكون المسافة بعيدة كي يأتي الماء بقوة على فراشات المطحنة، وكل تلك المسافة حفرت بطريقة علمية ومدروسة، وبعد الحفر تم وضع كل أداة في مكانها، فالبئر في أعلى منتصف المطحنة، ويجب أن يمتلئ بالماء من النهر الجاري، وتوجد فراشة حديدية في أعلى البئر تستقبل الماء بقوة، كي يدور الميل الذي في أسفل البئر، فتتحرك الفراشة بشدة، وتقوم بطحن القمح إلى طحين، وذلك من خلال الخشبة الصغيرة التي تدق أسفل الدلو، فيوضع الطحين في المكان المخصص بالقرب من الفراشة، فالعملية بأكملها بحاجة إلى ضغط الماء فقط في الدرجة الأولى، وبحكم التعاون كان الجميع بمن فيهم الزبائن يتعاونون في العمل».

وكان للسيد "صالح المحمد" حديث عن تجربته مع المطحنة في الماضي وقال: «كنت أقطع من ريف "القحطانية" إلى المطحنة مسافة تقدر بخمسين كيلو متراً، ضمن رحلة جماعية فيها عدد من أبناء القرية يضع كل منهم كميات الحبوب التي يريد طحنها على دابته، ويكون السير قبيل شروق الشمس ليكون الوصول مع غروب الشمس، وكانت بمثابة رحلة ممتعة على الرغم من شدة التعب والإرهاق، وعند الوصول إلى مكان المطحنة كان الترحيب والاستقبال في أبهى صوره، وبذلك بنيت علاقات قوية مع قرية "ملوك سراي" منذ ذاك الوقت وحتى اليوم».

جانب من المطحنة