يقع «تل تنينير» على بعد ثلاثين كيلو متراً جنوب شرق مدينة الحسكة، على الضفة الشرقية لنهر الخابور، وتشير الدلائل الأثرية إلى أن هذا التل كان مأهولاً منذ سنة 2500 قبل الميلاد، وهذا يثبت أن هذا الموقع قديم كقدم «دمشق وحلب وحماة» وقد انتهى «تل تنينير» قبل 600 عام بالاجتياح المغولي على يد الملك «تيمورلنك».

يقول الدكتور «مايكل فوللر» رئيس بعثة التنقيب عـن الآثار في «تل تنينير» في سياق حديثه لموقع ehasakeh: لقد كانت «تنينير» مثل مدينة الحسكة الحالية، لذلك فإن الحفر في مكان واحد لن يعطينا فكرة عادلة وواضحة عن سكان «تل تنينير».. فعلى سبيل المثال، لقد اكتشفنا أنه في النصف الجنوبي من هذا التل، كان يقع الحي الحكومي والتجاري في هذه البلدة، ولعل السؤال الآخر الذي يمكن طرحه فـي هذا السياق هو: ما هي نوعية الأبنية التي تقع في هذا الجزء من التل؟!..

اختيار موفق...

عن هذا السؤال يجيب الدكتور «فوللر» بالقول: إن الأبنية التي تقع فـي هذا الجزء من التل هي: حمام وخان وجامع، كما تم العثور على بعض الحوانيت بين آثار الجزء الجنوبي من «تل تنينير» وقد تم تشييد هذه الأبنية من حجارة كبيرة، وطليت جدرانها بالجص، وقد دفع أصحاب الحمام المزيد من التكاليف لقاء بناء جدرانه من الحجارة السوداء، التي تدعى «حجر البازلت» وقد استعملوا «البازلت» لأنها أحجار بركانية تمتص الحرارة وتبقى حارة لفترة أطول من الأحجار الكلسية، ولذلك كان اختيارهم لـ«البازلت» في بناء الحمام اختياراً موفقاً.

دمى وألعاب أطفال تحت الأرض

«تنينير»... وأصل التسمية

من الأواني الفخارية المكتشفة

ويضيف الدكتور «فوللر»: تم العثور أيضاً على كنيسة تقع في الاتجاه الشرقي من التل، وقد لوحظ التنوع الجغرافي في «تنينير» من ناحية استقرار السكان وتمركز الأسواق التجارية والحكومية في مكان آخر بشكل متناسق، كما هو الحال في مدينة الحسكة، وقد ذكر بعض الكتّاب العرب في العصرين الأيوبي والعباسي بأن «تنينير» كانت بلدة هامة على نهر الخابور، وكلمة «تنينير» تعني «تنوراً» أو «فرناً» لصنع الخبز، ويُعتقد أن عمر هذا الاسم يبلغ 4500 عاماً، فهو قديم كقدم هذه التماثيل الصغيرة.

حضارات قديمة جداً...

وتابع الدكتور «فوللر»: إن كلمة «تنينير» كانت أصلاً تشير إلى المنطقة الغنية بإنتاج الحبوب على طول وادي الخابور الممتد من الحسكة إلى الشدادي، وربما كان «تل تننينير» المركز الرئيسي المأهول بين مواقع التحميص والتخزين، وعندما تم الحفر تحت القبو المخصص للخمر اليوناني، تم اكتشاف جدران تنتمي لحضارات قديمة جداً.

أعضاء البعثة الأثرية

ومن أهم المكتشفات المثيرة: جدران كنيسة تخص الطائفة السريانية الأرثوذكسية، وقد تم العثور على باب الكنيسة والهيكل وغرفة الكاهن والمذبح، كما أن رسم خريطة دقيقة لهذه الكنيسة، قاد إلى عدة اكتشافات هامة، منها: معرفة أن البقع الموجودة على أرضية الكنيسة، هي من المصابيح التي تستخدم زيت الزيتون في الإضاءة، ويوضح الدكتور «فوللر» أنه من المحتمل أن الجزء الغربي من هذه الكنيسة، كان مخصصاً للنساء والجزء الشرقي للرجال.

ختاماً بيّن «فوللر» أنه عثر على قطع صغيرة لباب المكان الذي يحفظ فيه القربان المقدس، وعليه حرفين من حروف اللغة السريانية، وبقايا ثلاث طبقات أرضية متباينة، وأربعة مذابح واضحة موضوعة فـوق بعضها البعض بشكل جميل، يؤكد أن هذه الكنيسة استمرت لفترة تزيد عن 700 عام بشكل متواصل.