لم يبقَ في محطة "تل زيوان" إلا حجارتها التي تروي حكاية سنوات بعيدة، التي تُعدّ إحدى أقدم محطات القطار في المنطقة، جُمعت فيها كميات كبيرة من الحبوب، والتقت عندها قوافل كثيرة من البشر.

مدوّنة وطن "eSyria" بتاريخ 27 شباط 2019، وخلال زيارتها إلى قرية "تل زيوان" التي تبعد عن مدينة "القامشلي" 12كم، رصدت فيها إحدى أهم المحطات التابعة للخطوط الحديدية، والتقت الباحث "أنيس مديوايه"، أحد أقدم الموظفين في مؤسسة الحبوب قبل عشرات السنين، ومما قاله: «أُسّست المحطة عام 1920 قبل تأسيس مدينة "القامشلي"، والهدف الرئيس لإنشائها يعود إلى جمع الحبوب فيها، ومن خلال المحطة تنقل إلى مناطق ودول عدّة، فكانت بوابة العبور إلى "تركيا" و"العراق"، إلى جانب نقطة عبور إلى محافظات ومناطق كثيرة، كـ"اليعربية" و"حلب". أسست المحطة في "تل زيوان" بحكم مجاورتها لعدة قرى مشهورة بإنتاج كميات كثيرة من القمح، وعليه الوصول بالأقماح إلى المحطة عملية سهلة نوعاً ما، وقد خصصت بغرف وموظفين وحراس، وتسلم رسمياً إلى القطار الذي يمر بالمحطة، وينتقل إلى المناطق والمحافظات والدول المذكورة، علماً أن القطار كان لنقل الحبوب فقط، مختلف عن قطار الركاب».

نقوم بزيارات دائمة إلى قرية "تل زيوان"، لقضاء أوقات ممتعة عند المحطة، خاصة أنها تحمل ذكريات أكثر من جميلة، تعرفنا إلى كل تفاصيلها وتاريخها من كبار السن، صحيح أن المحطة عبارة عن حجارة فقط، لكن عبر تلك الحجارة نشعر بالهدوء والسرور، فهي تنقل لنا قصة سنوات طويلة، وكنا نتخيل تلك القوافل الكبيرة العابرة، ومن خلالها كبرت المنطقة وتنوعت عاداتها وتقاليدها، وأصبحت هناك مهن جديدة وحياة جديدة أكثر راحة

وعن المهام الأخرى للمحطة، يضيف "أنيس": «خصص للمحطة أربعة موظفين، أحدهم مدير، وآخر لقطع البطاقات للركاب، أما الموظف الثالث، فهو حارس، والرابع دليل القطار يرشده عند وصوله إلى المحطة. فيما يخص الركاب والتنقل عبرها، فقد كان هناك قطار ينطلق صباحاً إلى المناطق المذكورة، ويعود مساء عبر المسار ذاته. أمّا الركاب، فكانوا يتوافدون من شتى المناطق والقرى القريبة والبعيدة، حيث كان الوصول إليها سيراً على الأقدام، ومنهم من كان يستغرق وصوله ساعات كثيرة، وبعد تأسيس المدينة، كانت وسيلة النقل عبر "الحنتور"؛ لذلك كان الأهالي يصلون من خلالها إلى المحطة، كانت بالنسبة لهم محطة اجتماعية، لأن العشرات كانوا يجتمعون عندها، قادمين من مناطق متعددة، يتعارف بعضهم إلى بعض، يتعاونون ويساعدون من يحتاج المساعدة، وقد جمعت العديد من الأسر والأشخاص بين أسوارها علاقات اجتماعية؛ وهي قائمة حتّى يومنا هذا».

أنيس مديوايه

بدورها "فخرية علي" من سكان قرية "تل زيوان"، تحدّثت عن بعض ذكرياتها مع المحطة، فقالت: «كانت لنا فسحة من الأمل والمحبة، كنا نتجه إليها كل يوم لنتعرف إلى وجوه جديدة قادمة إلى محطة قريتنا، وكنّا نعرض على الأهالي لزيارة منازلنا، وقضاء وقت من الراحة حتى وصول القطار، نقدم لهم ما يحتاجون إليه من طعام وشراب، خاصة الأطفال، لأنهم يستغرقون وقتاً على الطريق، ويحتاجون راحة مضاعفة، نتيجة زياراتنا للمحطة، والتعرف إلى روّادها، ارتبطت بيننا علاقات اجتماعية، ولاحقاً كان هناك زيارات متبادلة بين قريتنا ونساء القرى والمناطق الأخرى».

"نور الدين سيد طلال" من أبناء مدينة "القامشلي"، تحدّث عن علاقته مع المحطة بالقول: «نقوم بزيارات دائمة إلى قرية "تل زيوان"، لقضاء أوقات ممتعة عند المحطة، خاصة أنها تحمل ذكريات أكثر من جميلة، تعرفنا إلى كل تفاصيلها وتاريخها من كبار السن، صحيح أن المحطة عبارة عن حجارة فقط، لكن عبر تلك الحجارة نشعر بالهدوء والسرور، فهي تنقل لنا قصة سنوات طويلة، وكنا نتخيل تلك القوافل الكبيرة العابرة، ومن خلالها كبرت المنطقة وتنوعت عاداتها وتقاليدها، وأصبحت هناك مهن جديدة وحياة جديدة أكثر راحة».