خلقت ستة محال مصنوعة من الطين والخشب حالة فريدة من نوعها في مدينة "القامشلي"، وتحولت طوال عمرها السبعين إلى حالة اجتماعية فرضتها الأيام، بعد أن كانت تستقطب الناس للتسوق من خلال المهن والحرف التي زينت معالمها.

مدوّنة وطن "eSyria" وبتاريخ 9 شباط 2016، تجولت في الحي الغربي لمدينة "القامشلي"، ورصدت تلك المحال الطينيّة النادرة والاستثنائية، وتبيّن من خلال الواقع أن سقفها من الأرض، فالتصميم من الطين، والمواد الأولية التي استخدمت في تجهيزها من الخشب، ويبدو من أساسها أن تصميمها بدائي وانقضى على ولادتها عشرات السنين، وتحملت كل طقوس الفصول الأربعة، وهذا بعض ما قاله صاحب العقار "خالد عبد القادر بركات"، وأضاف: «كانت هذه المحال موجودة عند شراء والدي المنزل منذ سنوات عديدة، وهي عبارة عن ستة محال مصنوعة من الطين، ارتفاع كل منها ما يقارب المتر وعشرين سنتيمتراً، أبوابها من الخشب، مصنوعة وفق الطريقة القديمة، وتفتح من الجانبين، كل محل كان مخصصاً لمهنة معيّنة، فأحدها كان لبيع الملح، والآخر لتصليح الدراجات النارية، والثالث لبيع الخضار والفواكه، أمّا المحل الرابع فكان مخصصاً لتصليح الأحذية، وخامس المحال لبيع المواد الغذائيّة، والأخير كان صاحبه يضع فيه العربة النقالة التي كانت "جوالة"، أو أمام المحل لبيع مواده وبضائعه، الأهم من كل ذلك أن الساحة الممتدة أمام المحال كانت فسحة للتعايش الاجتماعي، وجمعت يومياً كبار السن للتداول في قضايا المجتمع، ويسردون الأحاديث المتنوعة والهموم المشتركة، ومن خلالها ينطلقون لتأدية واجب اجتماعي».

نعرف هذا المكان جيداً ونزوره باستمرار، نقضي وقتنا بالسير والمرح لما له من خصوصية كبيرة نقلها لنا أهلنا من دون أن يعلموا، وكثيرة هي المرات التي التقطنا بجانب المحال صوراً تذكارية نحتفظ بها لعلمنا أن تلك المحال قد تندثر في يوم من الأيام بفعل الزمن والتطور

ويتابع "خالد بركات" عن تلك المحال: «ليس هناك اليوم إلا محل واحد يؤدي المهمة، وهو الخاص بتصليح الأحذية، سبب إغلاق الباقي أنها بحاجة إلى صيانة وترميم، فالأمطار والثلوج أثرت بسقوفها كثيراً، ونخشى من وقوع سقف أي محل في أي لحظة، إضافة إلى ذلك حرصنا في الحفاظ على هذه النوعية من المحال النادرة، والكثيرون من الأهالي وخاصة من باقي المناطق يزورون المنطقة فقط للتعرف إلى طريقة بناء وشكل هذه المحال الفريدة من نوعها في المنطقة، وهدفنا الحفاظ على بعض الطقوس الاجتماعيّة التي كانت تقام هنا، وتحديداً الملتقى الاجتماعي والتعارف بين الأحبة، فقد كانت محطة مهمة من محطات الالتقاء والتعارف، وكثيرة هي الأسماء التي تعانقت هنا، من خلال البيع والشراء، أو من خلال جلسة اجتماعيّة كانت تجمع كبار السن».

السيد صالح المحمود

أحد كبار السن من منطقة "اليعربية" الحاج "صالح الحاج محمود" عبّر عن إعجابه وتقديره للمنطقة التي تحتضن تلك المحال الطينية، عندما تحدّث قائلاً: «كانت لنا زيارات دورية إلى منزل أخي في "القامشلي" ضمن الحي الذي يحوي هذه المحال، ويعد من أقدم أحياء المدينة، فقد كنت أزوره وأشتري المواد التي أحتاج إليها لترافقني إلى القرية، ولأن الباعة أغلبهم كانوا من كبار السن، فقد كنا نقضي معاً ساعات طويلة في الأحاديث والمرح، وممارسة لعبة "الدامة"، ولأنني رصدت جمالاً وانشراحاً فقد كان أخي وعدد من جيرانه يرافقونني في زيارتي هذه، وتطورت العلاقة الاجتماعية، لتتحول من جولة تسوق إلى علاقات اجتماعية مثالية وتعميق صلة الرحم فيما بيننا».

الشاب "سليمان حسين" أشار إلى تلك البقعة التاريخية من المدينة، وتأثيرها بجيل الشباب بالقول: «نعرف هذا المكان جيداً ونزوره باستمرار، نقضي وقتنا بالسير والمرح لما له من خصوصية كبيرة نقلها لنا أهلنا من دون أن يعلموا، وكثيرة هي المرات التي التقطنا بجانب المحال صوراً تذكارية نحتفظ بها لعلمنا أن تلك المحال قد تندثر في يوم من الأيام بفعل الزمن والتطور».

منظر عام لموقع المحال