تنتشر السنابل الصفراء على مساحات شاسعة في الجزيرة السورية، وفي هذه الأيام تراها متعانقة متشابكة، لتصوِّر المعنى الحقيقي لعبارة "السلة الغذائية" التي اشتهرت بها المنطقة، وليعزف حفيفها نغماتٍ ترقص عليها المدينة احتفالاً بالخير الذي تحصد.

مدوّنة وطن "eSyria"، وبتاريخ 15 حزيران 2015، تجوّلت في عدة بلدات وقرى، ورصدت حركة الحصادات الزراعيّة وهي تجني تعب العام، ولأن هذا الشهر هو موسم الخير والسخاء للجزيرة وأهلها؛ يعدّ الحصاد الآن فرصةَ عملٍ لكثيرين من الشباب الذين فقدوا أعمالهم، وما زالوا يحتفظون بخبرة العمل الزراعي الذي نشؤوا عليه؛ ومنهم "صالح الحاج محمود" الذي تحدّث عن تجربته في هذا الموسم: «أنا سائق سيارة شحن صغيرة، أقلُّ العمال إلى الأراضي للعمل، وتأتي هذه الأيام؛ وفرحةٌ كبيرة تعتري قلوبنا رغم كل شيء، ننتظر هذه الأيام عاماً كاملاً، وخاصة في ظل الظروف الاستثنائية التي نعيشها، وبعد خسارتي لعملي الأساسي.

الجميل في هذه الأيام أن كثيرين منا يعدونها فرصة لرؤية المعارف والأصدقاء المقيمين في قرى أخرى بعيدة نسبياً، فعمل الحصادة لا ينحصر في قرية واحدة؛ إذ نضطر للسفر عشرات الكليومترات إلى القرى المزدحمة بالبيادر، ونبقى بعيدين عن منازلنا لأسابيع أو أشهر، حتى ننهي كل المحاصيل. ويخلق الحصاد فرصاً كثيرة للعمل، فهو يحتاج إلى العتّال والطبّاخ والخياط والسائق والميكانيكي

هنا لا يقتصر عملنا على ساعات النهار فقط، بل يتعداه إلى منتصف الليل، وساعات بزوغ الفجر، بعد أن ينقشع الندى على الزرع الذي لا يصلح للحصاد إن مسته الرطوبة، وهناك تناوب بيني وبين سائق آخر، أحياناً تكون مهمتي في الصباح، ويوم آخر على مدار ساعات الليل كلّه، ومع ذلك لا نشعر بالتعب، لأن الحصاد بحد ذاته يمنح الناس هنا شعوراً استثنائياً، فهم معجونون بتراب هذه الأرض، وما يربطهم بها أكبر من مجرد تراب ومحاصيل».

أجواء العمل

وعن الحالة الاجتماعية التي تخلفها هذه المواسم؛ يكمل "الحاج محمود": «الجميل في هذه الأيام أن كثيرين منا يعدونها فرصة لرؤية المعارف والأصدقاء المقيمين في قرى أخرى بعيدة نسبياً، فعمل الحصادة لا ينحصر في قرية واحدة؛ إذ نضطر للسفر عشرات الكليومترات إلى القرى المزدحمة بالبيادر، ونبقى بعيدين عن منازلنا لأسابيع أو أشهر، حتى ننهي كل المحاصيل.

ويخلق الحصاد فرصاً كثيرة للعمل، فهو يحتاج إلى العتّال والطبّاخ والخياط والسائق والميكانيكي».

سهول الخير

المزارع "سعدون خلف العامر" تحدث عمَّا يعتري الإنسان الجزراوي في هذه الأيام من حيوية ونشاط، يقول: «لا مثيل للمشاعر التي نعيشها أثناء الحصاد، ولا بديل من الخصوصية التي تتميز بها، فاجتماع الأهل والأصدقاء على بيدرٍ واحد يخلق جواً ملؤه المحبة والتعاون، وترى إطلاق "النكات" والضحكات أثناء العمل، وأنا أرى أن الأرض تمنح أولادها في هذه الأيام مزيجاً مختلطاً من الأحاسيس، فهم يجنون تعبهم، ويلتقون أحبابهم، وينتظر الشباب منهم أيام الخير هذه ليخطوا خطوة في طريق بناء بيتهم المنتظر.

وتلعب مجريات اليوم دوراً في هذه المشاعر أيضاً؛ فطعم الأكل في الأرض لا يضاهيه طعم، والسهرات التي تعقد أثناء حراسة المحصول لا تشبهها سهرات المنازل، حتى إن نهاية الموسم، والخلود إلى الراحة بعده يعدّ فرحةً كبيرة، ألم أقل إن المشاعر مختلطة؟ هي كذلك فعلاً».