لم يجد أبناء حي "جمعاية" حلاً لمسألة نقص المياه لديهم سوى الاعتماد على طرقٍ بدائية في تأمين حاجتهم اليومية من هذا العنصر الحياتي الهام.

حيث بدؤوا باتباع خطة تقشف للاستفادة من كل قطرة مياهٍ حصلوا عليها إما من الأحياء المجاورة أو نتيجة عودةٍ ميمونة لمياه الصنبور في ساعاتٍ متأخرة من الليل بعد انقطاعٍ دام فترة النهار بأكمله، لذلك فإن من يملك عدداً كبيراً من الأواني المنزلية وخزانات المياه يكون سعيد الحظ باستحواذه على أكبر كمية من ماء الشرب ليصبح مخزوناً احتياطياً للعائلة، وحديث السيدة "بهية خلف" (إحدى نساء الحي) خير دليلٍ على ذلك الكلام بعد أن قام eSyria بتاريخ 23/6/2011م وبناءً على طلب الأهالي بجولةٍ ميدانية للتحقق من شكاوى المواطنين على أرض الواقع؛ إذ تقول: «منذ الصباح تجتمع نساء الحي مع أطفالهن وكلٌ يتأبط إناءً أو وعاءً ليتوجهن سوياً إلى البيوت المجاورة للحي حتى يحصلن على كمية من المياه تلبي حاجتهن للقيام بشؤون منازلهن لمدة نصف نهار؛ وبقدر ما تكون الأواني التي اصطحبنها كثيرة كانت الكمية أكبر».

منذ الصباح تجتمع نساء الحي مع أطفالهن وكلٌ يتأبط إناءً أو وعاءً ليتوجهن سوياً إلى البيوت المجاورة للحي حتى يحصلن على كمية من المياه تلبي حاجتهن للقيام بشؤون منازلهن لمدة نصف نهار؛ وبقدر ما تكون الأواني التي اصطحبنها كثيرة كانت الكمية أكبر

مشكلة انقطاع المياه وانعدامها في حي "جمعاية" ليست وليدة اللحظة ولا هي حديثة العهد؛ بل عمرها عدة سنوات لكنها استفحلت في هذا الصيف أكثر من أي عامٍ مضى، وعن ذلك يؤكد السيد "سليمان يوسف" (أحد سكان الحي) قائلاً: «قبل /4/ سنوات ونحن نعاني نقصاً لمردود مياه الشرب وخاصةً أثناء فصل الصيف؛ إذ إن مدة الانقطاع تتجاوز أضعافاً مضاعفة المدة التي تتوافر فيها المياه؛ ومع ذلك كنا نتدبر أمورنا؛ لكن هذا العام تفاقم الأمر ولم يعد الأمر محتملاً؛ فصنابير المياه باتت تحلم بمرور الماء في جوفها نتيجة طول فترة الانقطاع التي تزيد على /20/ ساعة في اليوم أما الأربع ساعات المتبقية فيتقاسمها أفراد العائلة لمراقبة قدوم البشرى من فوهة الصنبور».

السيد "سليمان يوسف" أحد أبناء حي "جمعاية"

لكن حتى عندما تأتي المياه في ذلك الوقت المتأخر لا يمكن للأهالي الاستفادة منها؛ لسببٍ وضّحته السيدة "أمينة أحمد" (إحدى نساء الحي) قائلةً: «بعدما بات فترة مجيء المياه أمراً مفضوحاً بالنسبة لأهالي الحي؛ باتوا جميعاً مُستنفرين وعلى أهبة الاستعداد لملء خزاناتهم المتعطشة للمياه؛ لكن ليست هنا المشكلة؛ بل في عدم ظفر أحدهم بقطرة ماء نتيجة ضعف ضخ المياه إلى الشبكة لتتحول الأزمة من جزئية إلى كلية».

أمام حالة العطش التي يعيشها أبناء ذلك الحي؛ توجه البعض لإيصال أصوات حناجرهم المُتعطشة لمؤسسة المياه علّها تستجيب لمطالبهم المشروعة، لكن الأمور تعقدت أكثر وخاصةً عندما باشرت المؤسسة للبحث عن حلٍ تنهي به المشكلة؛ لكنها خسرت أكثر من مليون ليرة ولم يتغير شيء وفق ما قاله السيد "سليمان مصطفى" (من أهالي الحي) حيث أضاف: «بعدما وعد فرع مؤسسة المياه بالحلول الناجعة جاءت الآليات وبدأت بحفر بئرٍ بحري على أطراف الحي لتأمين حاجة الأهالي من مياه الشرب؛ وبالفعل نجحت في الوصول إلى عمق /450/م بعد أن بدأت المياه بالتدفق لكن للأسف تبين بعد التحليل بأنها كبريتية وغير صالحة للشرب، حينها غادرت الآليات موقع العمل بعد أن كلفت المؤسسة مبالغ طائلة ذهبت مع الريح ليبدأ فصلٌ جديد مع المعاناة».

حتى الأطفال باتوا يُدركون مشكلة انقطاع المياه

رواياتٌ أكدتها لنا السيدة "إيمان محمد" (من نساء الحي) التي تحدثت بدورها عن معاناتها كربة منزل في الاهتمام بشؤون البيت وخاصةً في ظل انعدام المياه؛ قائلةً: «منذ انقطاع المياه وأصبحنا في وضعٍ لا نُحسد عليه؛ فعندما نستهلك المياه الموجودة لدينا في أمور الغسيل نكون على يقين بأنه يجب علينا الاستغناء عن الاستحمام؛ أما أثناء شطف الغرف فيجب أن نؤجل موضوع غسيل الملابس وهكذا دواليك. حتى الأطفال الصغار بدؤوا يُدركون المشكلة التي باتت تتفاقم يوماً بعد آخر وصاروا يخففون من الاستحمام ليوفروا الماء من أجل الشرب».

وتضيف: «منذ أقل من شهر جمعتُ نساء الحي وتوجهنا لمؤسسة المياه دعماً للشكوى التي تقدّم بها رجالنا في وقتٍ سابق؛ وبناءً على ذلك أطلق المعنيون وعوداً بإرسال صهريج ماء يومياً وتوزيعه على البيوت ريثما يتم إيجاد حل نهائي؛ لكن هذا الصهريج الذي يتسع لـ/80/ برميلاً فقط لا يكفي سوى لعشرة بيوت في حين أن عدد المتضررين يتجاوز /50/ منزلاً، ما يؤدي لخلق أزمة ومشاجرات مفتعلة بين أبناء الحي نتيجة التسابق نحو الصهريج للظفر ببعض المياه قبل انتهائها».

المهندس "سردار محمد" رئيس الدائرة الفنية في مؤسسة المياه بـ"القامشلي"

بعدما سمعنا وشاهدنا معاناة أهالي حي "جمعاية" على أرض الواقع؛ توجهنا بدورنا إلى فرع مؤسسة مياه الشرب بـ"القامشلي" ووضعنا جميع استفساراتنا على طاولة النقاش أمام المهندس "سردار محمد" رئيس الدائرة الفنية في المؤسسة المذكورة آنفاً؛ والذي وضع جميع النقاط على الحروف ووعد بحلولٍ سريعة من خلال ما قاله: «للأمانة هناك معاناة حقيقية لمعظم أبناء الأحياء البعيدة عن محطة ضخ المياه وعلى وجه الخصوص حي "جمعاية" لذلك فخلال الأيام القليلة القادمة سنجرُّ أنابيب إضافية للبيوت التي لا تصلها المياه وعددها يصل إلى /50/ منزلاً، وذلك من الخط الرئيسي المار بالقرب من الحي إلى الأحياء المجاورة والذي يعتمد على مياه سد "سفان" الموجود في "المالكية" وهذا الأمر سيحلّ المشكلة بشكلٍ نهائي؛ أما قبل ذلك فسيكون هناك صهريجان بدل واحد لتأمين المياه للأهالي حتى تنفيذ ما وعدنا به خلال مدةٍ أقصاها عشرة أيام».

لم يبق إلا القول بأننا على ثقةٍ كاملة بما يطلقه المعنيون من وعودٍ بحاجة إلى ترجمة على أرض الواقع ولاسيما إذا كان الأمر متعلقاً بهموم المواطنين، لذلك ستكون لنا جولةٌ ميدانية أخرى للحي بعد عشرة أيام لنلمس التغيير الإيجابي فيما يخص انقطاع المياه؛ وللحديث بقية.

** هامش:

حي "جمعاية" من أحياء مدينة "القامشلي" تبعد عنها مسافة /15/ كم باتجاه الشرق على طريق (القامشلي- المالكية) يحتضن هذا الحي أكثر من /300/ منزل معظم أبنائه من الطبقة العاملة.