إلى الجنوب الغربي من مدينة "الحسكة"، وتحديداً على بعد 35 كيلومتراً تتربع غابةً غناء على مساحة 60 ألف هكتار من الأراضي الطبيعية التي يسلب جمالها وتنوعها الألباب.

مدونة وطن "eSyria" رصدت بعين العاشق هذا الجمال وتنقلت بين عطايا الطبيعة، عبر حديثٍ أجرته مع عدد من المهندسين القائمين على المحمية بتاريخ 25 أيار 2014، وكانت البداية مع مديرها المهندس "رياض الطرخو"، حيث قال: «أقيم مشروع المحمية بهدف الحفاظ على التنوع الحيوي، منطقة "جبل عبد العزيز" وإعادة الغطاء النباتي إلى سابق عهده، والمحافظة على الحيوانات والطيور البرية، وتحسين الوضع البيئي والسياحي للمنطقة والحفاظ على الأصول الوراثية لبعض النباتات، وحفظ التربة وتنظيم مساقط المياه وتحسين المناخ الموضعي للمنطقة المستهدفة، وذلك من خلال عمل المشروع على استعراض عدد من الوسائل التطبيقية لإدارة المناطق المحمية، حيث تساهم الوسائل المستخدمة في المحافظة على التنوع الحيوي وحماية مصالح المجتمعات المحلية، بما يعزز تكامل البيئة واستدامتها، وتنمية المجتمعات المحلية عن طريق إيجاد مصادر دخل لهذه المجتمعات من خلال تنفيذ مشاريع صغيرة مدرة للدخل، وتمويلها من قبل المشروع وتأمين جهات ممولة لهذه المشاريع، ويضمن نجاح هذه التجربة تشجيع الجهات المانحة لتكرار التجربة في مختلف أنحاء البلاد».

المحمية تؤمن مناخاً ملائماً لعدد كبير من الحيوانات، مثل الثديات والزواحف ومنها ما هو مهدد بالانقراض، وعلى رأس هذه الحيوانات "الأرول"، حيث تتهدد هذا النوع من الثديات مخاطر كبيرة، قد تؤدي إلى انقراضه إذا لم يتم تدارك وضعه، وإيجاد سبل كفيلة بالحفاظ عليه من خلال حمايته وتأهيله للتكاثر

وأوضح مدير المحمية: «أن مساحة المحمية تبلغ 49 ألف هكتار؛ حيث اعتبرت المنطقة الأولى من المحمية والبالغة 4220 هكتاراً نواة المحمية "المنطقة المركزية"، وتخضع لنظام حماية صارم بهدف حماية التنوع النباتي والحيواني والبيئي، أما المساحة الحالية المعتمدة كمحمية فتبلغ 18 ألفاً و900 هكتار، مشيراً إلى المنطقة في السابق أي قبل إعلانها كمحمية طبيعية، كانت موضع اهتمام علمي، حيث أجريت فيها عمليات تحريج اصطناعي، من خلال زراعة الأشجار الحراجية مثل: "الصنوبر الحلبي، والصنوبر البيروتي، والبطم الأطلسي، وبطم الكنجوك، والفستق الحلبي، وأشجار اللوز"، وقد أصبحت هذه المساحات المزروعة ضمن الحدود الإدارية للمحمية، ولاحقاً تم التحريج الاصطناعي ضمن الجبل، في حين اقتصرت العمليات الحراجية على زراعة حدود المحمية فقط».

إرادة الحياة أقوى من الصخور

أما عن التنوع الحيوي في المحمية، فقال الباحث في مجال الطيور المهندس "زبير العبدو": «تعدّ محمية جبل عبد العزيز وجهة سنوية لنحو 300 طائر مهاجر، وقد استوطن فيها خلال السنوات الماضية أكثر من 45 نوعاً من هذه الطيور، وتقع المحمية على خط الهجرة الشتوية للطيور، الذي يبدأ من كازاخستان مروراً بعدد من الدول الآسيوية، ثم محمية "جبل عبد العزيز"، بعدها تتجه الطيور شمالاً حتى تصل إلى مضيق باب هرمز على "البحر الأحمر"، لتكمل خط سيرها إلى "أفريقيا"، حيث تقضي هناك موسم الشتاء وتعود في الصيف بخط سيرٍ عكسي، موضحاً أن أهم الطيور التي توطنت في المحمية، طائر "القطقاط الاجتماعي" المعرض بشكلٍ كبير للانقراض؛ بسبب ازدياد عمليات الصيد الجائر، بهدف استخدامه لتدريب الطيور الحرة على اصطياده، ويعدّ هذا النوع واحداً من فصيلة "القطقاط" التي تتألف من 16 نوعاً، إضافةً إلى أنواعٍ كثيرة من الطيور».

بدوره بين الباحث في مجال النباتات المهندس "ياسر السعدون": «أن المحمية عبارة عن نظام بيئي غابي متدهور، نتيجة عوامل طبيعية وبشرية كثيرة أودت بالحياة الطبيعية والغطاء النباتي، وتعد المحمية أحد أهم موائل "البطم الأطلسي" في "سورية"، والموئل الوحيد لـ"بطم الكونجوك"، وهما من الأنواع النباتية ذات الأهمية العالمية، كما تحتوي على تنوع نباتي متميز يعدّ بنكاً مهماً للمصادر الوراثية النباتية عموماً، ولنباتات المراعي على وجه الخصوص، حيث قُدِّر عدد الأنواع النباتية بأكثر من 300 نوع، من خلال المسح الأولي الذي أجري عام 2009، ومن هذه النباتات التزيينية والطبية والعطرية والصناعية والحراجية».

من المحمية

وأكد المهندس "السعدون": «أن أهم مميزات المحمية تكمن في كونها مصدراً جينياً لكثير من أشجار الفاكهة، ومصدراً للأنواع العلفية الغنية بالبروتين التي يمكن الاستفادة منها في إعادة تأهيل مراعٍ أخرى في البلاد، إضافة إلى غناها بأنواع النباتات الطبية التي تتواجد بتجمعات كبيرة، وتضم المحمية أنواعاً مهمة من الأشجار والشجيرات، مثل: "اللوز الشرقي، والزعرور، والتين البري، والسوّيد الفلسطيني"، ومن النباتات الطبية في المحمية "الشيح، والزعتر البري، والحرمل، والنعناع البري، والجعدة، والخطمية، والخشخاش، والروثة، والقيصوم"، ومن أهم الأعشاب والنباتات في المحمية: "نبات الأربيان، والتوليب الجبلي، والبختري، والقندريس، والعيصلان، والخبازة، والشوفان البري، وكعوب الأباعر، ونبات الصر، والخذراف، وأبو شويرب (الشعير البري)، وأجرد الكمأة، والسعد أو النميص، والحليّان، والرغل، والصريمة (العوسج)، والقبا، وشقائق النعمان"».

من جهته أشار الباحث في مجال الزواحف والثديات المهندس "محمود برو": «المحمية تؤمن مناخاً ملائماً لعدد كبير من الحيوانات، مثل الثديات والزواحف ومنها ما هو مهدد بالانقراض، وعلى رأس هذه الحيوانات "الأرول"، حيث تتهدد هذا النوع من الثديات مخاطر كبيرة، قد تؤدي إلى انقراضه إذا لم يتم تدارك وضعه، وإيجاد سبل كفيلة بالحفاظ عليه من خلال حمايته وتأهيله للتكاثر».

صورة جيولوجية لمحمية عبد العزيز

يشار إلى أن المحمية وإدارتها ترتبط ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ويضم المشروع ثلاث محميات في "سورية"، الأولى في منطقة جبل "عبد العزيز" في محافظة "الحسكة"، والثانية في منطقة "الفرنلق" في محافظة "اللاذقية"، والثالثة محمية "أبو قبيس" في محافظة "حماة"، ويتم تمويل المشروع وبشكل تشاركي، من قبل مرفق البيئة العالمي GEF، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP وحكومة الجمهورية العربية السورية، ويقوم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في "سورية" بالإشراف على التنفيذ، بالتعاون مع وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، ممثلة بمديرية الحراج ووزارة الدولة لشؤون البيئة، إضافة إلى هيئة تخطيط الدولة كجهة مشاركة وتعمل على تقديم التوجيه العام والدعم لتنفيذ نشاطات المحمية.