لم تقف الشهادة العلمية التي حصل عليها "سليمان سواطي" حائلاً دون بحثه عن رزقه، فقد أخذ بالأسباب بعد أن بطل مفعول الشهادة وأصبح حبراً على ورق، وتقلصت خبرته العلمية لحدودٍ أضيق من الورقة التي طبعت عليها.

مدونة وطن "eSyria" التقت "سليمان" في أحد شوارع المدينة بتاريخ 19 شباط 2015، وهو يقف خلف عدته ليحدثها عن جزءٍ من يومياته، فقال: «أنا من مواليد 1980 تخرجت في المعهد المتوسط الصناعي عام 2003 قسم الحدادة واللحام، لكني لم أحظَ بفرصةٍ للعمل، فانطلقت باحثاً عن رزقي في جميع الاتجاهات، وعملت في محالٍّ تجارية وعتالاً، ثم تملَّكت "بسطة" لبيع التوابل وبعض لوازم المنزل، وأخيراً تمكنت من إيجاد عملٍ يشبه ما درسته، وهو صيانة "بابور" الكاز حتى إنني لا أمتلك عدة للصيانة، بل أعمل لدى شخص أقاسمه غلة اليوم الكامل، فمنذ ثمانية أشهر بدأت بهذه المهنة؛ أقف على هذا الرصيف وأنتظر رزقي منذ الساعة الثامنة صباحاً وحتى وقت العصر، وقد ساعدني في العمل خبرتي الدراسية، لم أعمل في صيانة "البوابير" من قبل، بل كنت أفترش هذا الرصيف جانب رجل يقوم بعمليات الصيانة، وكنت أنظر إليه وأتحدث معه، فعلقت بعض الأمور في ذهني، وبعد أن غادر المكان قمت بالعمل محله».

أثّر انقطاع الغاز المنزلي في جميع الناس، فاتجهت الأغلبية إلى الاعتماد على بوابير الكاز، ولأن مادة الكاز التي تستخدم في البابور ليست نظامية ولا تطابق المقاييس المعروفة؛ تتسبب في أعطال كثيرة وأغلب هذه الأعطال يتمثل في انسداد في رأس البابور، كما تتسبب المادة في اهترائه وعدم فاعليته، ونقوم بإصلاح القطع المعطوبة أكثر من مرة كل عدة أشهر، وقد وفر علينا تواجد هؤلاء الأشخاص شراء رؤوس جديدة، خصوصاً بعد الارتفاع الذي تشهده المواد، كما أن مثل هذه الأعمال والتحولات الكثيرة في حياة الناس، ساهمت في إيجاد فرص عمل لكثيرين من الناس أمثال "سليمان" من جهة، وخففت من النفقات على أرباب الأسر

يتابع: «يتركز عملي على فحص بعض القطع وإصلاحها عن طريق إعادة تلحيمها وتنظيفها لتعود إلى العمل مجدداً، وأكثر ما يتسبب في أعطال البابور هو الكاز المستخدم والمخالف للمواصفات، إضافة إلى ذلك تتعرض بعض القطع للتآكل والاهتراء فأقوم بتلحيمها وفحصها وتسليمها لأصحابها، لكن ما يواجه هذه المهنة من صعوبات يكمن في عدم ملاءمة الأسعار للمجهود الذي نبذله، كما ساهم ارتفاع المواد الأولية الداخلة في العمل بتقليص هامش أرباحنا، ليستقر دخلي اليومي على 500 ليرة سورية، خصوصاً بعد انقطاع وصول الريفيين إلى المدينة لقضاء حوائجهم، وهذا الرقم لم يعد يمثل شيئاً إلا أنني أتكيف معه مجبراً، ولو قيض لي مبلغاً من المال لتحولت من صيانة البوابير إلى صناعتها بالكامل، لكن هذا الأمر يبدو مستحيلاً في المدى المنظور».

أحمد يفحص الرؤوس

بدوره بيّن العامل "أحمد سواطي" أنه يعمل إلى جانب "سليمان" في هذه المهنة لكسب المال بعد أن ترك الدراسة في الصف الرابع، وأنه يحصل على مبلغ يتراوح بين 200 و300 ليرة سورية في اليوم، لقاء قيامه بتنظيف الرؤوس وتسليمها لمعلمه، إضافةً إلى أنه يقوم بالتحدث مع الزبائن لكيلا يصيبهم الملل ويذهبوا، وبالتالي يقل الإنتاج وتقل معه إيراداته، موضحاً أنه يعمل لكي يتعلم المهنة ويعتمد على نفسه في وقت لاحق، وربما سيقف في مكان معلمه ذات يوم.

من جانبه قال "عبد العزيز الجاسم" أحد زبائنه: «أثّر انقطاع الغاز المنزلي في جميع الناس، فاتجهت الأغلبية إلى الاعتماد على بوابير الكاز، ولأن مادة الكاز التي تستخدم في البابور ليست نظامية ولا تطابق المقاييس المعروفة؛ تتسبب في أعطال كثيرة وأغلب هذه الأعطال يتمثل في انسداد في رأس البابور، كما تتسبب المادة في اهترائه وعدم فاعليته، ونقوم بإصلاح القطع المعطوبة أكثر من مرة كل عدة أشهر، وقد وفر علينا تواجد هؤلاء الأشخاص شراء رؤوس جديدة، خصوصاً بعد الارتفاع الذي تشهده المواد، كما أن مثل هذه الأعمال والتحولات الكثيرة في حياة الناس، ساهمت في إيجاد فرص عمل لكثيرين من الناس أمثال "سليمان" من جهة، وخففت من النفقات على أرباب الأسر».

تلحيم رأس البابور
عبد العزيز الجاسم