عدّتْ ليلةٌ من أصعب الليالي الريفيّة الشتويّة، الأمطار غزيرة والثلوج تسقط بغزارة، وهو ما دفع بالفلاح إلى وضع جدول مناوبة بين أبنائه الثلاثة، يقضون سهرتهم لحماية منزلهم.

سمّيت تلك الليلة بـ"الثور الأصفر"، عاشها ذلك الفلاح بألم ومشقة، إنها ليلة من ليالي الشتاء القاسيّة، لكنها ليست كبقية الليالي، ففيها انهارت سقوف بيوت على ساكنيها، وما بين "الثور الأصفر" وقساوة الليلة أوجه شبه كثيرة كما يشير الحاج "صالح الحاج محمود" خلال حديثه مع "eSyria".

في تلك الليلة قام بذبح "الثور الأصفر" رغماً عنه، هو يعلم بأنه وسيلة حراثته الوحيدة والمهمّة، لكنه حتّى يغذي أبناءه ويعوض ما نالوه من جهد وإرهاق، ويعلم بأن التغذية لأجسادهم النحيلة في هذا البرد القاسي، يكون بتناول لحم الثور

عاش الحاج "صالح" ليال كثيرة هذه السنة شبيهة بتلك الليلة البعيدة المسماة بـ"الثور الأصفر"، وهذا ربما ما دعاه إلى رواية حكاية ما حدث في تلك الليلة لأبنائه وأحفاده، وهو أحد المهتمين بالتاريخ في منطقة "المالكية" شمال "الحسكة" 180 كم. يقول: «رواية "الثور الأصفر" قديمة جداً، باتت مثلاً وعبرة لأبناء المنطقة عامة، وللأكراد خاصة، البيت الطيني قد لا يقاوم شدة الأمطار والثلوج. بهذه الكلمات حذر الفلاح أبناءه الثلاثة، طالباً منهم عدم النوم هذه الليلة، إذ لا بدّ من السهر حتّى الصباح لمراقبة الوضع العام داخل المنزل وخارجه، هناك ما يدعو للقلق فالثلوج غزيرة التساقط وتشكل خطراً على المنزل ومن يجلس فيه، وجاءهم الأب بطلب آخر يطلب تنفيذه خلال المناوبة، لذلك لا بدّ من إزالة الثلوج المتراكمة على سقف المنزل بشكل دوري، لكي لا يتأثر المنزل وقد يسقط».

صالح الحاج محمود

ليلة شبيهة تماماً بـ"الثور الأصفر" عندما يهوج ويدخل العمل، هكذا تحول حال الشباب الثلاثة وهم يجهدون لرفع الثلوج عن سطح منزلهم، معتمدين في ذلك على الجهد العضلي وبعض الأدوات البسيطة، وحسب كلام الحاج "صالح" فإن الأداة الوحيدة المستخدمة بسيطة وكانت مصنوعة يدوياً كانت تسمى "برف مالك" وهي شهبية بالمعول.

لم يكتف الفلاح بتوزيع أدوار المناوبة، وإنما سارع لجلب عدّة الذبح وتجهيز أدوات الطبخ، فهو يجهز للتضحية بأحد أهم ما يملكه في عمله. يضيف الرجل الثمانيني "بدر الدين سيد العلي" من أهالي ريف بلدة "اليعربية" 190 كم عن مدينة "الحسكة": «في تلك الليلة قام بذبح "الثور الأصفر" رغماً عنه، هو يعلم بأنه وسيلة حراثته الوحيدة والمهمّة، لكنه حتّى يغذي أبناءه ويعوض ما نالوه من جهد وإرهاق، ويعلم بأن التغذية لأجسادهم النحيلة في هذا البرد القاسي، يكون بتناول لحم الثور».

الفلاح وزوجته يذبحان ويعدان الطعام، والأبناء الثلاثة يستمرون ويتناوبون على إزالة الثلوج المتراكمة، مع وصول دفعات من اللحم الساخن تنجزها وتقدمها الأم أثناء الاستراحة، استمر العمل الجماعي من قبل الوالدين والأبناء، كل يؤدي دوره، مستمرين به حتى الصباح، أنقذوا بهذه الطريقة منزلهم، في الوقت الذي كانت معظم بيوت القرية قد انهارت فوق رؤوس سكانها لأنها في الأساس كانت عبارة عن أكواخ بسيطة من الحجر، سقفها مغطى بأخشاب بسيطة يغطيها قليل من القش والتراب ولم يفعل الأهالي ما فعله الأب مع أبنائه.

يجد "بدر الدين" في ليلة "الثور الأصفر" عظة وعبرة، يتذكرها الناس ويحسبوا لها حسابات كثيرة، ويضيف: «عندما تواجه الإنسان ظروف جويّة استثنائية يجب عدم التهاون وأخذ الحذر والحيطة من هذه الظروف، عشتها وأنا وأبنائي أكثر من مرة في قريتي الريفيّة، وأنا كنت شاهداً على انهيار عدد من المنازل الريفية، التي كان سكانها يفضلون إخلاءها في مثل هذه الظروف الجوية».

أجريت اللقاءات بتاريخ 24 شباط 2021.