حالة المزارع "حسين الحاج محمود" هذه الأيام ليست على ما يرام، فهو دائم الترقب يشيح ببصره نحو السماء، يبحث عن غيمة تروي ظمأ الشوق إلى زخات المطر وأرضه والمساحات المزروعة بشتى المحاصيل الشتويّة.

المزارع "محمود"، وهو من أهالي ريف بلدة "اليعربية" التي تبعد 170 كم عن مدينة "الحسكة"، يرى بأن انحباس الأمطار حتى تاريخه يدعو للقلق الكبير، فقليلة هي السنوات التي تأخر هطول الأمطار فيها لهذه الفترة، وهي بنظره مشكلة كبيرة، وبحسب حديثه لمدوّنة وطن "eSyria" فقد قام بزراعة أرضه بمحصول القمح الشهر الماضي، وخلال الفترة الماضية تساقطت زخات قليلة من المطر، لكن تلك الزخات ضررها أكبر من نفعها، وأكثر من ذلك، خلال أيّام ربما يتعفن الحب في باطن الأرض، ولن يجد منه نفعاً نهائياً، حتى النبتة لن تنمو وسيكون موسمه صفرياً وهو مصدر الدخل الوحيد له ولأسرته، "فمن هذه الأرض أعيش كل أشهر السنة» يضيف "محمود".

إذ إنّ هذه المحاصيل لا تحتاج لأمطار كثيرة وتكفيها هطولات مطرية بداية شهر شباط وآذار، إضافة إلى ارتفاع ثمن تلك المحاصيل، فمثلاً يبلغ سعر طن الكمون الواحد أكثر من 6 ملايين ليرة، وعليه فقد كان نجاح تجربة زراعة هذه المحاصيل وملائمة المناخ والتربة لها عاملان أساسيان في إقبال الفلاحين من مختلف مناطق المحافظة على زراعتها، ولا سيّما أن تكلفة إنتاجها وزراعتها هي الأقل من بقية المحاصيل الشتويّة خاصة الحبوب المختلفة

*تكلفة أقل!

هذا هو حال معظم مزارعي الجزيرة السوريّة الذين يترقبون هطول الأمطار بفارغ الصبر وإلا فإن محاصيلهم ستكون في خطر، وتأخر هطول الأمطار حتى منتصف كانون الأول أمر نادر الحدوث بحسب ما يؤكده مجدداً المزارع "محمد أمين السرحان" من أهالي بلدة "القحطانية" التي تبعد 125 كم عن مدينة "الحسكة".

تشتهر الجزيرة السورية بخيراتها بعد أمطار الشتاء

"سرحان" لم يتجه إلى زراعة أرضه كما فعل "حسين"، لكنه متلهف لزراعتها ومتشوق لهطول خيرات السماء، فالأرض برأيه "تحتاج إلى المطر قبل زراعة المحصول، فمن خلال الأمطار تخرج الأعشاب الضارة، وبعدها نتجه عادة إلى زراعة محاصيلنا، والنتيجة تكون مثالية مع حصد الحبوب أثناء الموسم، هناك بارقة أمل بأن يحل علينا فصل الشتاء الحقيقي بأمطاره وبرودة طقسه، لأن البرودة أيضاً مفيدة للأرض الزراعيّة، لكن يبقى التأخير أكثر من ذلك مشكلة كبيرة».

هاجس الأمطار وتساقطها بكميات كافية دفع الكثير من الفلاحين في الجزيرة السوريّة إلى زراعة المحاصيل العطريّة، فهي في غاية الأهمية بحسب ما قاله المزارع "سلطان حميد الجاسم" من أهالي بلدة "الجواديّة" التي تبعد 155 كم عن مدينة "الحسكة «إذ إنّ هذه المحاصيل لا تحتاج لأمطار كثيرة وتكفيها هطولات مطرية بداية شهر شباط وآذار، إضافة إلى ارتفاع ثمن تلك المحاصيل، فمثلاً يبلغ سعر طن الكمون الواحد أكثر من 6 ملايين ليرة، وعليه فقد كان نجاح تجربة زراعة هذه المحاصيل وملائمة المناخ والتربة لها عاملان أساسيان في إقبال الفلاحين من مختلف مناطق المحافظة على زراعتها، ولا سيّما أن تكلفة إنتاجها وزراعتها هي الأقل من بقية المحاصيل الشتويّة خاصة الحبوب المختلفة».

حنين أهالي الجزيرة لهذه الخيرات

تظهر بيانات دائرة الإنتاج النباتي في مديرية زراعة "الحسكة" أنّ حجم المساحات المزروعة بالمحاصيل العطرية للعام الماضي توزعت على الشكل التالي: الكمون 13100 هكتار، حبة البركة 1850 هكتاراً، الكزبرة 9050 هكتاراً، وتجدر الإشارة إلى أنّ زراعة هذه المحاصيل تكون في شهر شباط.

*القمح أولوية

لكن الكثير من مزارعي المنطقة لا يزالون يعدّون زراعة القمح والشعير والعدس من الأولويات عندهم، ولا يمكن التفريط بزراعتها مهما كلفهم الثمن، وأكثر من ذلك، فهي رمز من رموز الاقتصاد الوطني، وزراعتها واجب وضرورة، كما قال عن ذلك المزارع "عنتر أحمد صبري": «ورثت حب الزراعة من جدي ووالدي، قريتي في منطقة "المالكية" التي تبعد 180 كم عن مدينة "الحسكة" عاشقة برمتها للمحاصيل الزراعية، هناك نجاح كبير لزراعة القمح بشكل خاص، قد نتأثر بتأخر الأمطار، لكن لا يجوز التفريط بزراعة القمح والشعير والعدس، نقوم بريها من الآبار التي حفرت من أجل ذلك، وهذا حالنا في جميع السنوات، حتى في شهري أيار ونيسان قد نضطر إلى سقايتها من الآبار في حال عدم تساقط الأمطار، ويبقى الأمل أن تكون الأيام القليلة القادمة، حافلة بخيرات السماء».

يبدو جلياً أنّ كميات الأمطار التي هطلت حتى تاريخ إعداد المقال قليلة جداً، وهو ما من شأنه الإسهام بشكل أو آخر في تضرر المحاصيل والأراضي الزراعيّة، ووفقاً للبيانات المتعلقة بكميات الأمطار التي هطلت لتاريخه والمقدمة من قبل المهندس "عادل سليمان" فإن التفاوت في كميات الأمطار الهاطلة هذا العام واضح جداً بين المناطق، وهي ظاهرة غريبة، ففي الوقت الذي لم يسجل هطول أي أمطار في بلدتي "المناجير" و"أبو راسين"، نجد أن بلدة "تل براك" يجل فيها هطول أكثر من 100 مم، أمّا إذا قارنّا هطول أمطار تلك المناطق مع الموسم الماضي، فنجد أن أغلبها شهدت أمطاراً أكثر من 100 مم حتى تاريخه العام الماضي.

ويعتقد المهندس "عادل" بأنّ فرصة نجاح المحاصيل الزراعيّة الشتوية قائمة حتى اللحظة شريطة هطول الأمطار خلال الفترة القادمة، وفي كثير من السنوات سجل نجاح كبير لمحاصيل الحبوب مقابل أضرار وعدم نجاح المحاصيل العطرية، والعكس أيضاً، فالموسم أولاً وأخيراً يعتمد على الأمطار، والأهم توزعها خلال الأشهر، وأكثر من ذلك، فالحاجة ماسة لهطولها حتى شهر نيسان على أقل تقدير، وتزداد زراعة المحاصيل نجاحاً إذا هطل المطر في شهر أيار.

أجريت اللقاءات بتاريخ 8 كانون الأول 2020.