لعبة عمرها عشرات السنين، تلاشت من الوجود ولم يبق لها أثر إلا في الذاكرة الشعبية، وكانت تختص بها فتيات الريف بشكل خاص، حيث يشكلن مع بعضهن فريقاً نسائياً، ويهجمن على قرية مجاورة، بهدف الترفيه والمرح.

مدوّنةُ وطن "eSyria" بتاريخ 9 كانون الأول 2019 تعرفت على تفاصيل لعبة "إغارة النساء" القديمة جداً، والتي فرضت نفسها في فترة من الزمن، ولسنوات معيّنة، حسب شهادة ورواية كبار السن، ومنهم الحاج "محمد محمود غريب" من أهالي منطقة "المالكية"، الذي عاصر اللعبة في قريته، فقال عن بعض تفاصيلها: «في شهري تشرين الأول والثاني وحتى أحياناً في شهر كانون الأول، كانت الأمطار تحتبس، ومع حصول هذا الأمر، كان عدد من فتيات قريتي "ريحانية" بريف "المالكية" يجمعن أنفسهن، ويلبسن لباس الرجال، ويتوجهن إلى قرية مجاورة، وتسمى هذه اللعبة "إغارة النساء" وكل فتاة تحمل في يدها قطعة خفيفة من القماش أو العصى الصغيرة، وكأن الفتيات في إغارة حقيقية، لكنها عبارة عن لعبة فيها الفرح والمرح.

في كل فصل شتاء ترويها جدتنا الكبيرة في العمر، تجمع شباب وبنات أسرتنا وأحياناً شباب وبنات أكثر من أسرة حولها، وتبدأ بسرد قصة اللعبة بطريقة شيقة، نعيشها وكأننا نلعبها في الوقت الحالي، فيها تفاصيل وأجواء اجتماعية رائعة للغاية، والأجمل أن والدتي وجدتي لهن صديقات من ذلك الوقت، عشّن في زمن تلك اللعبة، وحافظن على علاقتهن حتى يومنا هذا، إنها لغة جميلة للمحبة والسلام

تكون وجهة النساء نحو قطيع البقر حصراً، ومن أهم شروط اللعبة أن يكون مع القطيع راعي يرعى، ولمجرد مشاهدة الراعي للإغارة، يعد نفسه للاعتقال التطوعي، لأنه يعرف بأنه المستهدف والكسبان في نهاية اللعبة، حيث تقوم بعض الفتيات بربطه بشكل خفيف لإنجاز أفكار ومراحل اللعبة، ويتم مرافقة الراعي مع قطيعه إلى قرية النساء اللواتي خرجن منها، وبعد الوصول إلى القرية، يتم فك رباط الراعي، ويقدم له هدايا مختلفة وكثيرة، له ولأسرته، فهو الشخص الأكثر حاجة للدعم والتعاون، وتقدم له أفخم وجبات الأكل والشراب، ويشاركه غالبية رجال وشباب القرية وجبة الطعام، بالفرح والسعادة، والهدف من ذلك تقدير الراعي، لتكون رسالة عامة للجميع، بأنه رجل يمنحنا خدمة كبيرة، وعلى الجميع تقديره».

محمد غريب

من جانبها الحاجة "حليمة سيد طه" من أهالي وسكان بلدة "الجوادية" تحدّثت عن مشاركتها في إغارة نسائية على قرية مجاورة لبلدتها، قبل سنين كثيرة، فقالت: «كان عمري 13 سنة عندما شاركت في هذه اللعبة، واليوم عمري 76 سنة، كان الجو مليئاً بالفرح، وقبل ذلك كان هدفنا تعزيز الحالة الاجتماعية، حيث كنا نزور بشكل جماعي نساء القرية المستهدفة، ونحن نرتدي لباس الرجال، وهن أيضاً يبادلن ذات الزيارة وبذات التفاصيل، وكل شخص يرافقه قطيع البقر والراعي، بحيث تكون التبادل بالزيارات جماعية، والراعي يأخذ هدايا كثيرة، أما الوليمة تكون جماعية للراعي ومن رافقه من رجال ونساء القرية التي جاؤوا منها، كنّا نعيش يوماً جميلاً، ولحظات ممتعة، نروي تلك الذكريات الجميلة لأبنائنا وأحفادنا، والأهم أن الفترة التي كنّا نعيش ونلعب هذه اللعبة، في فترة نبحث فيها عن المطر، ونسعى من خلال اللعبة، لنشر الخير والمحبة وتعزيز لغة السلام، لعلها تفرج علينا».

الشاب "دريد نصر الدين العنتر" من أهالي بلدة "القحطانية"، قال في حديثه عن طريقة تعرفه على لعبة "إغارة النساء": «في كل فصل شتاء ترويها جدتنا الكبيرة في العمر، تجمع شباب وبنات أسرتنا وأحياناً شباب وبنات أكثر من أسرة حولها، وتبدأ بسرد قصة اللعبة بطريقة شيقة، نعيشها وكأننا نلعبها في الوقت الحالي، فيها تفاصيل وأجواء اجتماعية رائعة للغاية، والأجمل أن والدتي وجدتي لهن صديقات من ذلك الوقت، عشّن في زمن تلك اللعبة، وحافظن على علاقتهن حتى يومنا هذا، إنها لغة جميلة للمحبة والسلام».