لها قصص وذكريات جميلة، وكانت صناعتها تتطلب جهداً وتعاوناً كبيراً، وكثيرون من أبناء الجزيرة كانوا يعدّونها الوصفة الطبيّة، ووسادة للضيوف والزوّار.

مدوّنة وطن "eSyria" وبتاريخ 14 شباط 2016، وقفت عند موضوع "الكلاف"؛ وهي من تراث الجزيرة السورية؛ لأنها الوسادة العريقة والتاريخية، وعمرها يتجاوز عشرات السنين، وكانت تفرض نفسها في كل منزل تقريباً، وخاصة ضمن الدور السكنية لأهل الريف، أمّا اليوم فهي معدودة، وقلما يجدها شخص في منزل، فقد انتشرت السجادات الفخمة والمتنوعة؛ هذا ما قاله أحد أبناء ريف "اليعربيّة" الحاج "حميد حاج الخليل"، وأضاف: «هي من الذكريات الجميلة التي عاشت معنا في منازلنا، كانت تقدم للضيوف الذين كانوا يزوروننا من مناطق وبلدات بعيدة، حتى عند الولائم كانت الغرفة المخصصة للضيوف تجهز بالكامل من خلال وسادة "الكلاف"، ومن لا يملك العدد الكافي منها، كان يستعين بأبناء القرية والاستعارة منهم، وهناك سبب آخر شجعنا على الاحتفاظ بتلك الوسادة في منازلنا، ففي الماضي البعيد ولقلة وانعدام الأطباء في المنطقة، كان معظم أبناء القرية يستعينون بالطب العربي، وجلهم كانوا يشجعون النوم على "الكلاف" عند الشعور بآلام الظهر، والكثيرون يؤمنون بهذه الوصفة الطبية حتى تاريخنا هذا، إضافة إلى ذلك هناك من يجعلها من التراث والتاريخ الجميل، حتى لو كانت وسادة، والحفاظ عليها واجب، لكيلا تندثر صورتها ووجودها نهائياً أمام الأجيال المتلاحقة».

عادة "الكلاف" يكون باللون الأبيض، لكن قد يضاف إليها الألوان كالأسود والأحمر من شعر الماعز للجمالية فقط، وبعد تلك المراحل يتم وضعها في آلة خشبية مصنوعة يدوياً لاستكمال العمل

أمّا الشاب "عدنان حسين" فقد تحدّث عن ذكرياته معها بالقول: «الكثيرون من أبناء جيلي وجدوا الراحة بالاستلقاء على الوسادة التي تسمى "الكلاف"، خاصة عند العودة من عمل شاق أو مرهق، وقد حصلتُ على واحدة من منزل جدي، وهي عندي برسم الأمانة، وسوف أعيدها إليه بعد الانتهاء من آلام الظهر، لأنه يقدمها لكل من يرغب بها عند الحاجة، وتعاد إليه لكي تستفيد منها أسرة أخرى».

نموذج من "الكلاف"

وكانت لربة المنزل "روجين محمد سعيد مرعي" حكاية طويلة مع "الكلاف" عاشت مع صناعتها مطولاً، وتعرف الكثير من طقوسها وعاداتها، وقالت: «أكثر مدة زمنية لصناعتها وإنجازها كانت في فصل الربيع، لأن العمل كان في ساحات القرية، ويتطلب جواً مناسباً، وأغلب أبناء الريف يتواجدون فيها سواء من يشارك بالعمل أو من يراقب ليتعلم.

يصنعها عادة الرجال، لأنها تتطلب جهداً عضلياً، وقبل أي شيء يجب أن يتوفر الصوف من أجل صناعتها، حيث يغسل وينظف جيداً، ويتم رفعه مراراً وتكراراً حتى يصبح كالقطن بالخفة والنظافة، ويوضع بعضه فوق بعض على شكل طبقات متعددة، وتبلل بين الحين والآخر بقليل من المياه، ويقوم الرجال بضرب الصوف بعصا طويلة، وبتلك الطريقة تتماسك الطبقات مع بعضها، وهذه الحركات والعملية تستمر لساعات طويلة، وتفصل بينها فواصل من المرح والغناء التراثي، وشرب المياه، وربما تناول وجبة من الطعام، والتناوب يكون بين الرجال، أما النساء فيقمن بالغسيل والنظافة، وهي من الأيام الخالدة في الذاكرة، ولوحة جميلة من المحبة والتعاون التي لا يمكن نسيانها».

كبار السن يحتفظون بها في منازلهم

وتختتم قائلة: «عادة "الكلاف" يكون باللون الأبيض، لكن قد يضاف إليها الألوان كالأسود والأحمر من شعر الماعز للجمالية فقط، وبعد تلك المراحل يتم وضعها في آلة خشبية مصنوعة يدوياً لاستكمال العمل».