آلة يدوية صغيرة الحجم، مصنوعة من النحاس، وتقدم وجبة من القهوة المطحونة الطازجة، يصل عمرها إلى حوالي 80 عاماً، كانت نادرة الوجود في المنازل على الرغم من الحاجة الكبيرة إليها.

مدوّنة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 8 حزيران 2015، الحاج "نذير خالد العمر" من أهالي "القامشلي"؛ الذي يعدّ من بين القلة الذين استخدموا "المطحنة اليدوية" قبل حوالي 80 عاماً، وعنها يقول: «أعرفها منذ طفولتي في منزلنا عندما كان والدي يجلبها برسم الأمانة من أحد أصدقائه لطحن البنّ ضمن المنزل، وفي كل مرة عند انتهاء كمية القهوة المطحونة يجلبها من جديد ويتناوب على العمل بها أكثر من شخص في العائلة، حيث إن عملية الطحن كانت تحتاج إلى جهد عضلي لليدين، فهناك قطعة حديدية في أعلى المطحنة يتم تدويرها المتواصل لتنجز عملية هرس حبات البنّ.

بوجه عام كان النسوة يقمن بعملية الطحن، فكنّا نجتمع مع عدد من نساء الحي للتوجه في يوم وساعة محددة إلى المنزل الذي توجد فيه تلك المطحنة، فالمدينة بكاملها لم تكن فيها قبل عشرات السنين سوى خمس مطاحن يدوية، وأحياناً كثيرة كنّا نذهب مع الصباح الباكر ولا نعود إلا مع لحظات الغروب ونكون قد أنجزنا كمية كبيرة من القهوة المطحونة، وفي تلك الأجواء كانت تبنى علاقات اجتماعية وتقام ارتباطات كثيرة، وكان التعارف وتبادل الزيارات والواجبات بين الأسر، وتلك العلاقات الطيبة قائمة حتّى اليوم وعمرها عشرات السنين، ونقول لأولادنا اليوم إن تلك المطحنة الصغيرة جمعتنا وقربتنا مع عشرات الأسر

كان والدي يكلفني وإخوتي بالطحن وبالتناوب، ففي كل مرّة كان الدور على واحد منّا، سواء من الذكور أو الإناث، وأفضل أوقات الطحن عندما يكون الشخص جالساً وحيداً ويستنشق نسمات القهوة وهي تفوح من المطحنة، وعادة ما يقوم الطحان بغناء "العتابا والمواويل" سواء كان وحيداً أو بين جماعة».

المطحنة ضمن معرض تراثي

بيّنت "سوسن خلدون المصطفى" أن مهمة الطحن كانت للنسوة، أما جلب المطحنة فكان من اختصاص الرجل، وتقول: «بوجه عام كان النسوة يقمن بعملية الطحن، فكنّا نجتمع مع عدد من نساء الحي للتوجه في يوم وساعة محددة إلى المنزل الذي توجد فيه تلك المطحنة، فالمدينة بكاملها لم تكن فيها قبل عشرات السنين سوى خمس مطاحن يدوية، وأحياناً كثيرة كنّا نذهب مع الصباح الباكر ولا نعود إلا مع لحظات الغروب ونكون قد أنجزنا كمية كبيرة من القهوة المطحونة، وفي تلك الأجواء كانت تبنى علاقات اجتماعية وتقام ارتباطات كثيرة، وكان التعارف وتبادل الزيارات والواجبات بين الأسر، وتلك العلاقات الطيبة قائمة حتّى اليوم وعمرها عشرات السنين، ونقول لأولادنا اليوم إن تلك المطحنة الصغيرة جمعتنا وقربتنا مع عشرات الأسر».

أما "أندراوس شابو" الذي يملك معرضاً تراثياً في منزله بمدينة "القامشلي" يضم عشرات القطع التاريخية والتراثية ومنها "مطحنة البن اليدوية"، فيقول: «كانت تصنع من النحاس في مدينة "حلب" تحديداً، ومن خلال شخص أو شخصين يتم جلبها إلى مدينتنا، وسعرها حينها أي قبل 90 عاماً لم يكن يتجاوز الـ150 ليرة سورية، ومع ذلك كان بعضهم لا يملكون القدرة على شرائها، فهذا الرقم يعدّ كبيراً في تلك السنوات، لذلك لم تكن توجد "المطحنة اليدوية" إلا عند قلة قليلة من أبناء المنطقة، لكن كل من كان يحتاج إليها لم يكن يتردد في طلبها ممن يملكها.

السيد أنداروس شابو

هي آلة صغيرة الحجم شكلها عمودي، تدخل حبات القهوة بداخلها، ولم تكن تستقبل أكثر من 100 غرام في كل دفعة، ويقوم أحدهم بتدوير القبضة العلوية لمدة زمنية تصل إلى ثماني دقائق، وأثناء الطحن كانت رائحة القهوة تفوح في كل الحي، وكانت إشارة إلى أن البيت الفلاني يقوم اليوم بطحن حبّات البنّ، أما اليوم فلم يعد هناك من يستخدمها، وبات مكانها في المعارض فقط».