عاشت قرناً وأكثر في "الجزيرة السورية"، بصناعة محلية يدوية، انتشرت بكثرة في بيوت "الشعر" الريفية مرافقة للقهوة العربية، وفي المدن تنقلت بين البيوت لقلة عددها.

مدوّنة وطن "eSyria" وبتاريخ 28 نيسان 2015، وقفت عند أول "محمصة للبن" ظهرت في "الجزيرة السورية"، والتقت عدداً من كبار السن في "القامشلي" للحديث عن "محمصة البن" القديمة، وكانت الوقفة الأولى مع "جورج شمعون" ذي التسعين عاماً، وعن تلك الآلة، يقول: «وجدت قبل قرن من الزمن، فحاجة أهالي المنطقة إلى استخدام البنّ تطلب منهم صناعة آلة محلية الصنع لتحميصه، حيث تصدى عدد قليل من حدّادي المنطقة لصناعتها من خلال الصاج والحديد، وأوّل "محصمة بن" قام بتصنيعها "صبري أسمر"، واستغرقت منه لتجهيزها حوالي شهر وأكثر بقليل، فالحديد بحاجة إلى الصهر بالنار ثم التدوير بدقة، وبالمجمل العمل كان يدوياً، وبجهد فردي ذاتي من "صبري".

ورثت "محمصة بنّ" وغيرها من الأدوات القديمة من والدي، وللحفاظ عليها وعلى تراث الماضي الجميل وضعتها في المعرض التراثي المنزلي الخاص بي، وقد قدمت المحمصة خدمة جلية للمنطقة، وتدل صناعتها على إبداع يدوي، فهي مصممة بدرجة عالية من التقنية، من خلال الفوهات التي تتواجد على مربع الحديد لمنع احتباس الدخان، وهو ما يعطي فائدة أكبر للنيران، وهذه الأداة توقفت عن العمل في السبعينيات لظهور آلة أحدث، ولكنها باقية أمام زوّار وأجيال الأمس القريب واليوم للتمتع بحضارة الماضي

شكل المحمصة كان عبارة عن قطعة صاج بشكل مربع وضمن أرضيته يتم نشر الفحم، وفي الأعلى علبة دائرية يتم تدويرها من خلال "سيخ" قليل السماكة لا يتجاوز الـ5مم، وعلى العلبة الدائرية توجد فتحة صغيرة يتم من خلالها سكب "اللبن" إلى العلبة، ثم تبدأ عملية الدوران، فيعانق لهب الفحم جميع حبات البن، وتحتاج إلى مدة زمنية تصل إلى عشرين دقيقة إذا كانت النيران قوية وبعدها تكون جاهزة، وفي كل عملية تحميص يتم وضع كمية بنّ لا تتجاوز الـ200 غرام، أمّا بالنسبة للفحم فكان يجهز من خلال حرق كميّة من الخشب، ويتحول إلى جمر ويسكب في أسفل العلبة».

منظر عام للمحمصة

ولـ"جورج شمعون" إضافات أخرى عن تلك المحمصة، ويقول: «لقد كانت مستخدمة جداً في الريف، ضمن بيوت الشعر المنتشرة، بسبب حاجة تلك البيوت إلى القهوة كأساس من أساسيات الحياة اليومية، إلا أنها لم تكن تباع من قبل صانعيها، فأغلب الأحيان كانت تُعطى كهدية من دون أن يأخذ الحداد أي مبلغ مادي، باعتبارها تراثاً من الجزيرة السورية مرتبطة بالقهوة العربية، وبالمقابل كان المشتري يبادر بهدية أخرى لحداد، كأن يعطيه من خيرات الريف وطبيعتها حتّى لو وصل الأمر به ليقدم له خروفاً أو أي نوع من أنواع الماشية التي يربيها.

أمّا بالنسبة للمدينة، فكان في كل حي محمصة أو اثنتان، وتتم استعارتها بين البيوت حسب وقت حاجتها، ويتعاونون فيما بينهم على تحميص البنّ».

السيد جورج شمعون

توجد "محمصة البن" القديمة اليوم في المعارض التراثيّة فقط، وهذا ما أكّده "أندراوس شابو" ويقول: «ورثت "محمصة بنّ" وغيرها من الأدوات القديمة من والدي، وللحفاظ عليها وعلى تراث الماضي الجميل وضعتها في المعرض التراثي المنزلي الخاص بي، وقد قدمت المحمصة خدمة جلية للمنطقة، وتدل صناعتها على إبداع يدوي، فهي مصممة بدرجة عالية من التقنية، من خلال الفوهات التي تتواجد على مربع الحديد لمنع احتباس الدخان، وهو ما يعطي فائدة أكبر للنيران، وهذه الأداة توقفت عن العمل في السبعينيات لظهور آلة أحدث، ولكنها باقية أمام زوّار وأجيال الأمس القريب واليوم للتمتع بحضارة الماضي».