من الأكلات التراثية في "الحسكة"، لم تعد وجبة عادية كما كانت سابقاً، بل أُدرجت تحت باب "وجبات الولائم"، لها خصوصيتها في الإعداد والتكوين، وتحتاج إلى مهارة في الطهو وفن في التقديم.

مدونة وطن "eSyria" التقت "هدى العبد الكريم" بتاريخ 22 كانون الأول 2014، في بيتها الكائن بحي "النشوة" لتتحدث عن طبخة "الكبسة" وطريقة إعدادها وتقول: «لم يقتصر إعدادها في السابق على الولائم والمناسبات، بل كانت تأخذ دورها في البرنامج الشهري للوجبات الدسمة، وربما كان هذا الدور يتكرر لأكثر من مرة في الشهر الواحد؛ لكونها من الوجبات المتكاملة غذائياً والمميزة من حيث الإعداد، لكنها ككثير من الوجبات الثقيلة بدأت الانحسار نوعاً ما، بسبب تكلفتها العالية ومحدودية دخل أغلب الأسر، فمع ارتفاع أسعار المواد الغذائية وعدم توافر الأصناف الفاخرة من المكونات التي تدخل في صناعتها؛ قل الطلب عليها تدريجياً، حتى أصبحت تصنف تحت باب "وجبات الولائم"، كما ساهم انقطاع التيار الكهربائي في تعذّر وضع اللحم في الفرن ليأخذ شكله النهائي، ويخرج بالطريقة المطلوبة، لكنها وجبة حافظ أبناء المنطقة عليها خاصة لكونها مرتبطة بتراثهم».

إن الجميل في هذه المحافظة هو تنوع الموروث الشعبي، فهذا النوع من المأكولات مع اشتهاره في المحافظة، يكاد لا يُرى على موائد جميع أطياف الشعب، لكن بالمحصلة لا يوجد شخص في المحافظة يجهلها، وذلك بسبب التقارب والتعايش بين جميع الطوائف والديانات، إضافة إلى أن أي شخص لا يجد حرجاً في المشاركة بأي مناسبة وكأنه من المقربين؛ لكن تبقى لهذه الوجبات المميزة نكهتها الخاصة؛ التي تقوم دائماً على جمع الأصدقاء والمعارف

وتتابع: «يتكون "المنسف" من مادتين رئيسيتين هما "اللحم" و"الأرز"، ويمكن أن يراوح اختيار ربة المنزل بين لحم "الضأن" و"الدجاج"؛ إلا أن الأرز الوحيد الذي يصلح لطبخ هذه الوجبة هو "أرز الكبسة الطويل"، وتتنوع الإضافات بين التوابل التي تضم "العصفر" و"الكاري" و"الفلفل" إلى "البصل" المفروم و"الفليفلة الحمراء" الطازجة والمقطعة إلى قطع صغيرة وبعض المكسرات، لتضفي عليها نكهةً مميزة ولمسةً جمالية، ثم يطبخ اللحم وحده مع إضافة بعض التوابل الخاصة به».

وجبة "الكبسة" عن قرب

تضيف: «بعد أن ينضج "اللحم" تؤخذ المرقة الناتجة عنه ليطبخ بها "الأرز"، ولا يختلف طهو أرز "الكبسة" عن الأرز العادي باستثناء المنكهات الكثيرة التي تدخل في صناعة الأول، في هذه الأثناء يتم تجهيز خلطة جديدة من التوابل يضاف إليها "المحمَّرة"، وتدهن بها قطع "اللحم" بالكامل مع قليلٍ من "الزبدة"، وتوضع في الفرن لتأخذ اللون الذهبي الغامق؛ وتتحول الطبقة الخارجية إلى طبقةٍ مقرمشة، وبعد نضج "الأرز" يسكب في صحنٍ كبير، ثم يتم تزيين أطراف الطبق بقطعٍ من الخضراوات كشرائح البندورة والخيار والفجل والجزر والفليفلة بنوعيها الأخضر والأحمر إن وجد، ثم تُرصف قطع "اللحم" بانتظام في الوسط، وأخيراً يتم وضع "المكسرات" على الأطراف وبين "اللحم" بحسب الرغبة، ويفضل إضافة "الزبيب" ليعطي مذاقاً رائعاً خصوصاً عند امتزاج حلاوته مع ملوحة الطعام؛ كنوع من أنواع اللعب على المتناقضات، وفي أغلب الأحيان تقدم "الكبسة" مع مخفوق اللبن "الرايب" ونوعٍ أو اثنين من السلطات».

من جهته "حنا طبو" من سكان حي "المحطة" وهو يعمل في مجال الاتصالات، أشار إلى خصوصية أكلة "الكبسة" ويقول: «إن الجميل في هذه المحافظة هو تنوع الموروث الشعبي، فهذا النوع من المأكولات مع اشتهاره في المحافظة، يكاد لا يُرى على موائد جميع أطياف الشعب، لكن بالمحصلة لا يوجد شخص في المحافظة يجهلها، وذلك بسبب التقارب والتعايش بين جميع الطوائف والديانات، إضافة إلى أن أي شخص لا يجد حرجاً في المشاركة بأي مناسبة وكأنه من المقربين؛ لكن تبقى لهذه الوجبات المميزة نكهتها الخاصة؛ التي تقوم دائماً على جمع الأصدقاء والمعارف».

اكتمال المائدة

بدروه بيّن معاون مدير الثقافة "عبد الرحمن السيد": «أن التنوع الثقافي والاجتماعي الذي تعيشه محافظة "الحسكة"؛ ساهم كثيراً في تنوع العادات والتقاليد التي أصبحت مشتركة في كثير من الأحيان، وعلى سبيل المثال لا الحصر، تزدهر موائد المحافظة بكم كبير من الأكلات، لم تكن في الأصل من تراث المحافظة في العقود الماضية، إلا أن التعايش المشترك كان عاملاً في وجودها وانتشارها، لكن ما يجب قوله إن التميز في بعض الأنواع يحسب لبعض الفئات بعينها، بمعنى أن كل فئة تتميز بنوع خاص من الوجبات، خصوصاً إذا كانت هي من ساهمت في إيجادها ونشرها، والنتائج أغلب الأحيان تصب في مصلحة اتساع وتنوع الإرث الثقافي والحضاري للمحافظة بأسرها».