هي العادة التي تشهدها هذه الأكلة أينما صنعت، فأغلب الأحيان تكون وجبة استثنائية يطلبها شخصٌ بعينه، إلا أن الواقع يشهد حضور كل من يسمع بها إلى البيت المضيف ويتناولها الجميع.

مدونة وطن "eSyria" تابعت طقوس تحضير أكلة "المصارين" بتاريخ 12 كانون الأول 2014، والتقت السيدة "هنادي السيد" لتتحدث عن مراحل التحضير وتقول: «تعد هذه الوجبة من الوجبات الدسمة والمتعبة التي تشتهر بها محافظة "الحسكة"، ويعود ذلك إلى طريقة التحضير التي تمتد لأكثر من يوم واحد، متمثلة بعمليات تنظيف "المصارين" عدة مرات، هذا بعد تسجيل الدور عند الجزار للحصول عليها في يوم محدد، وهذا نتيجة قلة "المصارين" وكثرة الأشخاص الذين يرغبون في طبخها، وأثناء عمليات التنظيف تقوم ربة المنزل بتحضير الحشوة؛ التي تختلف تبعاً لرغبة الطاهية وخبرتها، حيث يدخل الأرز كعنصر أساسي في الحشوة ثم تضاف إليه بعض المكونات والمنكهات؛ لإضفاء المذاق المرغوب».

إن هذه الوجبة تحسب للمجتمع السوري، وإن تسميتها قد تختلف بين محافظة وأخرى، وحتى طرائق تحضيرها تختلف قليلاً بين المحافظات، لكنها تنم عن تمسك عدد من الأجيال بتاريخهم وموروثهم الشعبي، وبالنسبة لي عندما يتم إعدادها في منزلي من واجبي تقديم الكثير من الدعوات للأقارب والأصدقاء، خاصة أنني أجد نفسي ضعيفاً جداً أمام هذه الوجبة، فلا أذكر يوماً أني رفضت دعوةً بهذا الخصوص، وحتى حين أُخيّر في نوع الوجبة التي أرغب بها في دعوة، فلا أتردد في طلبها وتناولها

وتتابع: «يتم نقع الأرز وغسله جيداً وإضافة الحمص المنقوع لمدة لا تقل عن 6 ساعات، ثم تضاف التوابل وعلى رأسها النعناع المجفف، وهناك أشخاص يرغبون بإضافة اللحم المفروم لإغناء الوجبة وإعطائها مذاقاً خاصاً، ثم تبدأ عملية الحشو التي تأخذ وقتاً طويلاً، وبعد إتمام جميع الأعمال الخاصة بالوجبة، ومنها ربط الأطراف بالخيط لكيلا يتسرب أي شيء من مواد الحشوة، بعدها توضع المكونات في طنجرة الضغط، ويضاف إليها الماء والملح والكمية الزائدة من الحشوة، ثم توضع على النار حتى تنطلق الصافرة من الطنجرة، ويفضل أن تأخذ عملية الطهي وقتها الكامل ليكتمل النضج؛ وتتحول المياه مع الحشوة الإضافية إلى مرقة كثيفة تحيط بالوجبة، ثم يتم تقديمها دفعة واحدة وتؤكل ساخنة».

عملية الحشو

أما السيدة "سعيدة العبد" فلها رؤية أخرى في تحضير هذه الأكلة، وتقول: «أغلب الأحيان يتم تحضير "المصارين" وحدها، إلا أن بعض الأشخاص يرغبون في تحضيرها مع الرأس والأقدام، وهنا يجب على سيدة المنزل أن تشتري ما ترغب به لكن من الأفضل أن تكون هذه المواد عائدة لنعجة شقراء، الأمر الذي ينعكس على لون الوجبة، فالنعجة السوداء يعطي رأسها وأقدامها لوناً أسود للوجبة، وهذا ما قد لا يستسيغه الجميع، أما طريقة التحضير فتبدأ بغسل "المصارين" عدة مرات متتالية، ثم فركها جيداً بمادة "السمد"* لتخليصها من الشوائب وتنظيفها جيداً، ما يقلل على ربة المنزل الكثير من الوقت والجهد، ويستحب إضافة ملعقتين أو أكثر من رب البندورة إلى الوجبة لتأخذ لوناً أحمر فاتحاً، لكن اللافت في هذه الوجبة أنها تصنع لأشخاص بعينهم إلا أن من يأكلها آخرون؛ سمعوا بها وجاؤوا دون دعوة، وهذا نابع من العلاقة الحميمية بين الأقارب خصوصاً في مجتمعنا؛ الذي يعد أقرب إلى الريفي منه إلى المدني».

من جهته يقول "حواس سلطان": «"المصارين" أكلتي المفضلة، فلا يمكن أن أفوت المشاركة بأكلها إذا سمعت بإعدادها عند أي من أقاربي، وخبر تحضير هذه الوجبة أغلب الأحيان يكون سرياً أو على صعيد الأسرة، لكن الظروف تخدم في بعض الأحيان في الإخبار عنها، فهذه الوجبة تصنف بين الوجبات المشبعة، لكنها قد تؤكل لمجرد التذوق، إلا أن المدة الزمنية التي تستغرقها عملية التنظيف والإعداد، لا تشجع النساء على طهوها المتكرر، فقد يمر عامٌ كامل دون أن يتم تحضيرها، وقد يتم تحضيرها مرة واحدة في الشهر، وذلك تبعاً لطلبها أو الأشخاص المستعدين لتأمينها ولصناعتها».

ربط المصران بالخيط

أخيراً، يرى "دحام الفياض": «إن هذه الوجبة تحسب للمجتمع السوري، وإن تسميتها قد تختلف بين محافظة وأخرى، وحتى طرائق تحضيرها تختلف قليلاً بين المحافظات، لكنها تنم عن تمسك عدد من الأجيال بتاريخهم وموروثهم الشعبي، وبالنسبة لي عندما يتم إعدادها في منزلي من واجبي تقديم الكثير من الدعوات للأقارب والأصدقاء، خاصة أنني أجد نفسي ضعيفاً جداً أمام هذه الوجبة، فلا أذكر يوماً أني رفضت دعوةً بهذا الخصوص، وحتى حين أُخيّر في نوع الوجبة التي أرغب بها في دعوة، فلا أتردد في طلبها وتناولها».

*السمد: أي السميد وهو ما يستخرج من القمح عند صناعة البرغل.

بعد الحشو