في كل مرة تعرض لنا القنوات الفضائية أحدث الحصادات الزراعية؛ التي تعمل بواسطة نظام GPS شديد التطور، الذي يعمل تلقائياً بواسطة الأقمار الاصطناعية، ولو عدنا إلى الوراء قليلاً لوجدنا مثيله عند فلاحنا البسيط لكن بتقانةٍ أقدم.

مدونة وطن "eSyria" رصدت إحدى تلك الآلات الزراعية التي تعمل تقريباً بمفردها، وتقوم مقام الحصادة الحديثة لكن على الطريقة القديمة، والتقت بهذا الخصوص الحاج "خضر السلطان" بتاريخ 8 تشرين الأول 2014، فقال: «"الجرجر" هو عبارة عن آلة بسيطة من الخشب، يجرها بغلان أو حصانان ويركب عليها الرجال والأطفال لإكسابها وزناً إضافياً، ويتكون من صندوقٍ من الأضلاع في وسطه عدد من الدواليب ثبّت عليها فؤوس من حديد، ويجب أن تكون هذه الفؤوس حادة للغاية لتقوم بعملها على الوجه الأمثل، حيث يتم جمع ما حصده الحواصيد على شكل بيدر؛ يكدَّس في منطقة فارغة من القرية، ثم يثبت عمود في منتصف هذا البيدر ويخرج منه حبل طويل؛ يتم ربطه بلجام الحيوان الذي يجر "الجرجر"، ولا يجوز ربط الحبل إلا بالحصان أو بالبغل الذي يكون من جهة العمود، وتبدأ عملية دق الكوم لاستخلاص القمح والتبن».

يمثل "الجرجر" أسمى حالات التكاتف الاجتماعي، إذ يعمل أهل القرية يداً بيد من أول الموسم وحتى نهايته، ويتم الانتقال من أكوام القمح بالترتيب ولا يتوقف أهل القرية؛ حتى إنهاء آخر بيدر، مع العلم أن العمل بالبيدر الواحد قد يستغرق حتى 20 يوماً متتالياً، وتكون ساعات العمل منذ شروق الشمس وحتى الغروب، وقد بقيت هذه الآلة داخل الخدمة إلى أن ظهرت الحصادات الآلية، ثم بدأت أعدادها تتناقص تدريجياً إلى أن أصبحت من التاريخ

يتابع: «يبدأ الحصانان الدوران من الخارج إلى الداخل وحدهما دون أن يقودهما أحد؛ ويركب على الجرجر رجالٌ أو أطفال، ليمنحوه وزناً زائداً لتغوص الفؤوس إلى أسفل البيدر، وبعد الانتهاء من الجولة الأولى، يتم جر "الجرجر" بالعكس من المركز إلى الأطراف، وبعد الانتهاء من عملية الدق والطحن تنفصل حبات القمح عن القش ويسمى الناتج "دراخة"، ثم يقوم الرجال بجمع "الدراخة" وتذريتها أمام الهواء، فتنفصل حبات القمح عن القش نهائياً، لأن الأخير أخف وزناً لذا تعمل الرياح على إبعاده عن القمح لمسافة جيدة، وفي المرحلة اللاحقة تتم غربلة الأقماح بواسطة "صرّاد" وهو الغربال، ويعبأ التبن بأكياس لحفظه وإطعامه للماشية، وأثناء عملية الدق والطحن يتم سقاية الحيوانات ثلاث مرات لكثرة ما تأكل من البيدر».

الحاج خضر السلطان

من جانبه بين الباحث في مجال التراث الشعبي "عايش الحسين": «أن "الجرجر" هو عبارة عن صندوق مفرّغ من الداخل بشكلٍ هندسي، يرتكز على مسننات تسمى "الفؤوس" وله قوائم؛ تعرف بالجنابيات أو العوارض، وتكون رأس الفأس مصنوعةً من الحديد، وقد جاء اسمه من فعل "جرّ"؛ وللجرجر أنواع منها: "أبو الفؤوس" وله خمسة فؤوس، ومنها "الجرجر" الخشبي، و"الجرجر" المعدني، وهو مصنوع من الحديد بالكامل؛ ويعد الأحدث بينها على الإطلاق، ولهذه الآلة وظيفةٌ واحدة هي تحويل البيدر إلى قمحٍ وتبن، حيث تعمل بطريقة الجر التلقائية من الحيوانات المستخدمة في عملية السحب؛ المرتكزة في عملية الدوران على المحور المتمثل بالعمود المثبت في وسط البيدر، ويركب على هذه الآلة من 1 إلى 5 أشخاص؛ وذلك تبعاً لحجم الشخص ووزنه، وتتم عملية الدوران عكس عقارب الساعة.

ويردد الراكبون بعض الأهازيج، منها:

عايش الحسين

"حاصود وارمْلَّها سبل*... وبريطم** الحلوة ذبل".

ويقال أيضاً:

"واگفن عندي ويشوف... شارب العنز الگطوف***

مـن عاونني نفعني... خيراً عندي من الوگوف"».

يتابع: «يمثل "الجرجر" أسمى حالات التكاتف الاجتماعي، إذ يعمل أهل القرية يداً بيد من أول الموسم وحتى نهايته، ويتم الانتقال من أكوام القمح بالترتيب ولا يتوقف أهل القرية؛ حتى إنهاء آخر بيدر، مع العلم أن العمل بالبيدر الواحد قد يستغرق حتى 20 يوماً متتالياً، وتكون ساعات العمل منذ شروق الشمس وحتى الغروب، وقد بقيت هذه الآلة داخل الخدمة إلى أن ظهرت الحصادات الآلية، ثم بدأت أعدادها تتناقص تدريجياً إلى أن أصبحت من التاريخ».

  • سبل: جمع سبلة، وهي سنبلة القمح.
  • ** بريطم: وهو تصغيرٌ للبرطم ويعني الشفة، وهي مفرد الشفتين.

    *** العنز الگطوف: وهي الواحدة من الماعز، والگطوف كناية عن قبح المنظر المتمثل في كثرة الشعر على وجه الماعز.