اشتهرت مدينة "القامشلي" (في فترة من الفترات) بالعديد من الأعمال والمنتجات التي كانت تصنع من النحاس، وكان بالمنطقة سوق كامل مخصص لذلك وضمن طقوس لم يبق منها إلا أحاديث من عاصرها.

مدوّنة وطن "eSyria" وبتاريخ 13 آب 2014، فتحت صفحة الماضي البعيد لسوق النحاس بمدينة "القامشلي" وذلك من خلال شهود ورجالات الماضي، وكانت البداية مع السيّد "كرم حنّا"، وقد تحدّث عن علاقته مع ذاك السوق بالقول: «قبل عشرات السنين كان عمّي يملك حانوتاً في سوق "النحاس"، وكنتُ أتردد إليه للترفيه عن النفس فقط، ولكن شدّة الإقبال على السوق كانت تتطلب مني تقديم المساعدة في بعض الأمور البسيطة، وما تحفظه الذاكرة حتّى اليوم عن السوق، أن سقوف الحوانيت جميعها كانت مصنوعة من التوتياء والجوانب كانت مصنوعة من الخشب، ولذلك تلك الصور باقية في الذهن لشدة جاذبيتها وجمالها، وكانت الحوانيت صغيرة جداً، فارتفاع السقف لم يكن يتجاوز المتر ونصف المتر، أمّا العرض فنفس قياس الارتفاع تقريباً، ولكن الطول كان يتفاوت من حانوت لآخر قد يصل إلى مترين أو ربما أكبر بنصف متر أو أكثر بقليل، وتلك الحوانيت كانت تشهد إقبالاً كبيراً من قبل الناس وبشكل يومي، فالحاجة كانت يومية للأواني النحاسية في تلك الفترة، فقد تميز النحاس بعدة مزايا مثل الصلابة والمنظر الجميل، حتى تجهيزات العروس في الماضي كانت منه، ولم يكن التفنن في هذه الصنعة يحتاج إلا للمطرقة كأداة رئيسيّة».

حصلت من جدتي على بعض القطع والأدوات الخاصة بالمطبخ وهي مصنوعة من النحاس، وأحتفظ وأستخدم تلك القطع حتّى اليوم، وكنتُ أسمع من جدتي عن ذهابها في الماضي لسوق النحاسين لتلميع أدواتها وحاجياتها المصنوعة من النحاس، ولذلك أعتبر هذه القطع النحاسية أمانة غالية، والحفاظ عليها واجباً أخلاقياً وإنسانياً، وكنتُ أيضاً سأقوم بتلميع تلك الأدوات لو أن السوق بقي قائماً، ولكنه بات ذكرى جميلة فقط

أمّا السيّدة "نور العلي" فتحدّثت عن بعض الذكريات التي تتعلق بالنحاس، فقالت: «حصلت من جدتي على بعض القطع والأدوات الخاصة بالمطبخ وهي مصنوعة من النحاس، وأحتفظ وأستخدم تلك القطع حتّى اليوم، وكنتُ أسمع من جدتي عن ذهابها في الماضي لسوق النحاسين لتلميع أدواتها وحاجياتها المصنوعة من النحاس، ولذلك أعتبر هذه القطع النحاسية أمانة غالية، والحفاظ عليها واجباً أخلاقياً وإنسانياً، وكنتُ أيضاً سأقوم بتلميع تلك الأدوات لو أن السوق بقي قائماً، ولكنه بات ذكرى جميلة فقط».

سوق الذهب حل مكان سوق النحاس

الباحث التاريخي "جوزيف أنطي" تحدّث عن السوق بقوله: «منذ تأسيس مدينة "القامشلي" تميّز الحرفيون فيها بالنشاط والذكاء، وهذا ما لمسناه وتحديداً منذ منتصف العشرينيات حيث بدأت الحرف بالتكتل والظهور، وكان دليلاً على حب الحرفي لحرفته مهما كان نوعها، أمّا أحد أهم الجوانب الاقتصادية في قلب مدينة "القامشلي" في ذلك الوقت فهو سوق النحاس، الذي كانت ولادته عام 1927، واستمر وبقوّة حتّى عام 1937، ولم يكن يُسمع في السوق إلا طرق "النحاس" من قبل أهالي ومختصي تلك الصنعة، الذين كانوا يقومون بتصنيع الأواني المنزليّة، وخاصة تلك التي كانت من حاجات ولوازم المطبخ ومنها: "الملاعق، دلة القهوة العربيّة، الكاسات، أواني الطعام بمختلف الأحجام والقياسات"، وغير ذلك، إضافة إلى ذلك كان النحّاس يجلي مادة النحاس ويدهنها بالقصدير ويسمى العامل هنا "الصفاد"، حيث يجدد الأواني ويمنع عنه الصدأ ويمنحه رونقاً ولمعاناً جميلاً، ولذلك كانت الأسرة في ذلك الوقت تعد "النحاسيات" ثروة كبيرة لها ولمنزلها».

ويضيف الباحث: «وبانتشار الألمنيوم والبلاستيك تم تقليص الاعتماد على "النحاس" وبدأ السوق شيئاً فشيئاً ينزاح أمام ظهور مهنة أقوى وأكثر دقّةً، وهي مهنة الصياغة فكانت النواة لسوق الصاغة، بل حلّ محل ذلك السوق بأكمله بعد غياب آخر نحّاس عن السوق عام 1937، ولذلك ومن شدّة إعجاب أهالي المنطقة بالنحاس والأدوات التي كانت تصنع منه، فهناك الكثيرون من الأبناء الذين يقومون بجمع ما يحصلون عليه من أدوات نحاسية ويشكلون معرضاً ليعرفوا الأجيال الحالية بأهميته وعراقته في زمن من الأزمان».

الباحث جوزيف أنطي