هو شاعرٌ بالفطرة كما يقال؛ تنفس الشعر مع الهواء، وأنشد كلاماً منمقاً منذ الطفولة، لم يسبق تعلمه الكلام تعلمه الشعر، فهو من بيئةٍ حاضرة البديهة ذواقةٍ للشعر والشعراء.

مدونة وطن "eSyria" التقت الشاعر "إسماعيل حمود الحصن" في منزله بحي "الصالحية" بتاريخ 13 حزيران 2014، ليتحدث عن مشواره الشعري وتحاورت معه في خصوصية المنطقة شعرياً:

أهمية ما يكتبه الشاعر "الحصن" حيث تمكن من نقل هذا اللون إلى أماكن لم تكن تعرفه أو تسمع به، إضافةً إلى كونه من الشباب الخلوقين والمهذبين، الذين يحسنون التصرف في جميع المواقف، مشيراً إلى أن الأدب والدماثة من الشروط الواجب توافرها في الفنان لأنه ينقل الصورة التي ولد وعاش فيها، إضافةً إلى تمثيله المطلق للمنطقة التي خرج منها وراح يتغنى بها في أبياته وقصائده، ومن وجهة نظري تمكن "الحصن" من تمثيل منصب سفير الشعر الشعبي لجميع المناطق التي حطت رحاله فيها

  • من أين كانت بداية "إسماعيل"؟ وهل شذت نشأتك عن باقي شعراء المنطقة؟
  • الشاعر إسماعيل الحصن

    ** أعتبر بدايتي مغايرة لما عاصرته من زملائي الشعراء، فقد كان دخولي إلى عالم الشعر على حساب طفولتي، فمذ كنت في السابعة من العمر انعزلت عن الأطفال وقاطعت اللهو واللعب، والتحقت بمجالس الكبار التي كنت أجد فيها ضالتي، ومن المعروف عن مجالس الكبار في منطقة الجزيرة غنى المواضيع المطروحة وتنوعها، حيث يتم الانتقال من موضوع إلى آخر دون سابق إنذار، ما يجعل البديهة أقوى لدى أهل البادية، هذه الأمور استفدت منها خلال مجالستي الطويلة لكبار السن، الذين غالباً ما يعززون أحاديثهم بأبياتٍ من الشعر "المحكي"، كان دوري أن أحفظ ما يُقال وأن أردده واستمتع به.

  • هل يمكن القول: إن صناعتك شعرياً تمت في مجالس الكبار؟
  • "الحصن" مشاركاً في مهرجان الخابور

    ** أبداً، بل على العكس تماماً فقد صُنعت شعرياً على عدة مراحل كانت المجالس جزءاً منها، فقد كان للسيدات اللاتي يخضضن "الشكوة" ويصنعن الزبدة دوراً في كثافة مفرداتي التي أتكئ عليها اليوم، فالنسوة في القرية يرددن أبياتاً من الشعر كنَّ قد سمعنها؛ فيروحن عن أنفسهن أثناء العمل.

  • هل يمكن أن تحدد زمناً برزت فيه موهبتك أم أنها تدرجت في الظهور؟
  • ** لم أكن أعلم أنني أكتب شعراً يطرب به المستمع حتى تاريخ 20 آذار 2003 قبل سقوط عاصمة الرشيد "بغداد" بنحو شهرٍ كامل، وقتها أقيم مهرجانٌ شعري لنصرة "العراق"، ثار فيّ الحماس وارتعدت فرائصي على المنبر؛ وغلى الدم في عروقي كعربي يترقب غزواً أجنبياً لبلدٍ عربي، وعلى الرغم من وجود قامات كبيرة في المهرجان، كانت مشاركتي الأميز وقتها، فقد تفاعل الجمهور بشكلٍ لم أكن أتوقعه، وقتها أدركت أنني قدمت شعراً.

  • أنت تبرع في الشعر الفراتي أو المحكي، فأين كان هذا الشعر سابقاً؟ ومتى عرفه الناس؟
  • ** وجد الشعر البدوي منذ حضارة "مأرب"، فقد سار جنباً إلى جنب مع الشعر العربي الفصيح، فعندما قيل: "الخيل والليل والبيداء تعرفني"، قال الشعراء البدويون الحداء: "يا يمَّة برّي مهيرتي ... أكبر وأنا خيالها"، ووقت قيل: "لما أناخوا قبيل الصبح عيسهمُ"؛ قيل: "يالهجن بارن مواضي ... مشرّعة لاقت لأهلنا.

  • يتهم بعض الأدباء الشعر المحكي بتقويض اللغة العربية وجزالتها، فهل هذا صحيح؟
  • ** على العكس تماماً لم يكن هذا النوع من الشعر يوماً متعدياً على اللغة العربية، بل طالما استعان بمفرداته الجزلة على اللغة الأم، لكن هذا الشعر يعدّ باباً من أبواب التطور أو التحول، حتى إنه اكتسب شعبية واضحة في مجتمعاتنا، وهذا يتأتى من غياب عدد كبير من المفردات الفصيحة التي لم يعد لها استخدامٌ في يومنا هذا، ولا أجد حرجاً في أن يقوم رواد الأدب بدعم هذا الموروث وتصنيفه وتبويبه.

  • برعت في عدد من ألوان الشعر المحكي، فكيف يتم التفريق بينها بالنسبة للمستمع أو الناقد؟
  • ** بالنسبة للناقد الأمر ليس صعباً خصوصاً إذا كان يجيد اللهجات المحكية، أما المستمع فأرى أنه يطرب من الإيقاع والكلمة في آن معاً، ويمكن للمستمع أن يبدأ تذوق الشعر إذا تابع حضور أمسيات الشعر أو قرأ في الدواوين التي أُلفت.

  • ما هي الأنواع التي تكتبها؟ وأي منها أكثر تذوقاً عند المتلقي؟
  • ** أكتب جميع ألوان الشعر المحكي كما أكتب الشعر النبطي والشعر الفصيح، لكني أجد نفسي في القصيدة الفراتية وعلى رأسها "الأبوذية"، حيث يكتب هذا الشعر على البحر الوافر وتتركب القصيدة على ثلاث خواتم متشابهة لفظاً مختلفة في المعنى "جناس"، وتقفل المقطوعة بياء وهاء، ومنها: "أضل صابر عليك وأبد ما ألح

    ويحسنك بين كل الناس ما لاح

    السّـــمار البــيك هــذا شـــلون مالـــــــــح

    من أبوسك يرتفع ضغطي عليه".

    كما أكتب شعر "الزهيري"، ويبنى هذا النوع من الشعر على سبع قوافٍ تتشابه كل ثلاث مع بعضها، ويختم الشعر بالقافية السابعة التي تتشابه مع الثلاث الأولى، ويتغنى "الزهيري" بجميع مناحي الحياة لكنه يبرع في الغزل، ومنه:

    "ســـألتو منــين رد وقـال عــدواني

    ومن حزن مجنون صار بــــــــگلبي عدواني

    بسبب حبك بگلبي جروح عد وآني

    أعد ويــــــــــاك حتى تــــــصل ع الـــــــــمية

    وياما انتظرتك تجي يا هواي ع المية

    يلو يجلون مخي بعشر جلسات علمية

    ما ترك ودادك يلو كل الناس عدواني".

    وينتشر في منطقتنا شعر "المولّد"، ويقوم هذا اللون على بيتين من الشعر الفصيح، ثم يتبعه لون "الأبوذية"، ومنه:

    "يامن سرقتِ من المها لون العيون

    وسرقتِ مني نُشطتي وحراكِ

    إني عــــــــبدتك بعد ربي فاعلمي

    أنــت صيامي وسبحتي وأراكِ

    وأراك

    وحق كل من حـمل سبحة وراكَ

    الگلـــب فز ومشى بعدك وراكَ

    نـــــــذر نــــــاذر أشوفك وأراكَ

    لضــــــمك وسط گلبي مو بايديه".

    وقد يأتي في هذا اللون من الشعر رداً غالباً ما يتم نظمه على لسان الحبيبة، وهذا يعطي للشعر جمالية خاصة، ومما رد به على هذه الأبيات:

    "لازلت تسألُ عن وفائي بالهوى

    وأنا وقلبي تعذّبا بهواكَ

    لا يرتضي وداً بغيرك خاطري

    أبداً إليكَ ولا يتوق سواكَ

    سواكَ

    وحق المُلاّ اليصلي وســـواكه

    أبد ما أريد من الله سواكَ

    مو من طين أحس ربي سواكَ

    أحسك ذهب يتلامع بايديه".

  • يعتبر الشعراء لون "العتابا" من الألوان الثقيلة، فما سر ذلك؟
  • ** لا تختلف "العتابا" عن "الأبوذية"، إلا أنها تقفل بألف وباء أو ألفٍ مقصورة، لكن نظمها يتطلب من الشاعر أن يكون ملماً بأمور كثيرة، وأحداثٍ متواترة وغالباً ما يؤلف الشاعر أبياته من أحداثٍ موثقة، كأن يقول:

    "أريد أبچي وأصيح الراح ما رد... علـى الي چان للعربان مارد

    خـــــــبر فرقاه للب حشاي مارد... جفوني وانطووا تحت الثرى".

    وتزخر البيئة الجزرية بألوان أخرى من الشعر، مثل: النايل، والنبطي، وألوان أخرى لا يتسع الوقت لذكرها.

    وبيّن الأديب والروائي "إبراهيم الخليف": «أهمية ما يكتبه الشاعر "الحصن" حيث تمكن من نقل هذا اللون إلى أماكن لم تكن تعرفه أو تسمع به، إضافةً إلى كونه من الشباب الخلوقين والمهذبين، الذين يحسنون التصرف في جميع المواقف، مشيراً إلى أن الأدب والدماثة من الشروط الواجب توافرها في الفنان لأنه ينقل الصورة التي ولد وعاش فيها، إضافةً إلى تمثيله المطلق للمنطقة التي خرج منها وراح يتغنى بها في أبياته وقصائده، ومن وجهة نظري تمكن "الحصن" من تمثيل منصب سفير الشعر الشعبي لجميع المناطق التي حطت رحاله فيها».

    يذكر أن، الشاعر "إسماعيل الحصن" أبصر النور عام 1972 في قرية "تل السمن" التابعة لناحية "تل براك"، إلى الشمال الشرقي من مدينة "الحسكة".

    شارك في العديد من الأمسيات داخل وخارج المحافظة، وحاز المركز الأول بمهرجان الخابور لعامي 2006 و2007 على التوالي، والمرتبة الثانية في مسابقة قصيدة التحدي، وله مجموعة قيد الطباعة باسم "شدّة ورد"، وله مشاركات فنية تلفزيونية في مسلسلات "نساء من البادية، وهدوء نسبي، والقعقاع".