القصة التاريخية لحب "سيامند وخجة" فيها كل عناوين الألم والتألم لحب صادق نشأ وترعرع بين أحضان حبيبين ذاقا ما فيه الكفاية ليكتب عنهما التاريخ قصة حب خالدة.

مدوّنة وطن "eSyria" وبتاريخ 9 كانون الأوّل 2013 التقت الشاعر "زبير مخصو" ليقلب لنا القصة التاريخية لحب "سيامند وخجة" وهي في كتاب للمؤلف الدكتور المرحوم "محمد سعيد رمضان البوطي"، فبدأ الشاعر سرد القصة قائلاً: «القصة من التراث الكردي وتتحدث عن الشاب "سيامند" الذي نشأ يتيماً فلم ينعم برعاية الأب وحنان الأم، ولم يبال بالمال، اشترى حصاناً وتوجه إلى الجبال ليمتهن الصيد، سمع باسم قبيلة كبيرة بعيدة ثم قال: لماذا لا أزور هذه القبيلة، فراح يسأل الرعاة في طريقه إليها من هم وكيف يعيشون ومن يتزعمها؟ فكان قرار الذهاب إليهم، وحلّ ضيفاً على بيت فيه سبعة رجال ولهم أخت تدعى "خجة"، وكانت مخطوبة لابن زعيم العشيرة، وكان هواها وعاطفتها يميل إلى "سيامند" وكانت لا تطيق ابن زعيم القبيلة، وعرف إخوتها الأمر وأقسموا على رفض زواجها من "سيامند"، وحنّ الشاب اليتيم إلى الصيد والغابة فامتطى الحصان وتوجه إلى الوديان والجبال، وبعد مدة صادف جماعة من الغجر ووجد أوعيتهم ملأى باللحم والأرز فاستغرب "سيامند" من أمرهم، وقال من أين لكم هذا الطعام؟ أجابوه: إذا كنت تحب الأرز باللحم فاذهب إلى حفلة الزفاف المقامة لأجل "خجة" وابن زعيم العشيرة، فثارت ثائرته».

أنا مطلع على القصة من بدايتها حتى نهايتها، اللغة متينة والأسلوب شيّق جداً، والأحداث متسلسلة بطريقة تجذب القارئ، والكاتب تألق جداً في ترتيب ورص الكلمات بين القوة والجزالة وبين الليونة والعطف، فالقارئ بحكم الأسلوب الأدبي الرائع تعاطف كثيراً مع الحبيبين، فعندما خرج الدكتور المرحوم "البوطي" للكتابة في هذا النمط وفق كثيراً، علماً أن هذه القصة الحقيقية عمرها عشرات السنين وماتزال تُحكى وتُروى في المجالس وتُدوّن على سطور الصفحات

وتابع الشاعر حكاية الشابين فقال: «امتطى حصانه وكر راجعاً صوب العشيرة، راغباً بمن أحبها مهما كانت الوسيلة والطريقة، وقد أخذ موافقتها أن تكون حليلة له، فنادى "سيامند" نافخ المزمار وضارب الطبل والمنشد ورمى إليهم قطعاً ذهبية وطلب منهم أن يعلنوا ويهتفوا "الشاباش" (هي تحية باللغة الكرديّة) باسمه واسم "خجة" وعلى شرفهم، فخافوا أولاً وترددوا ثم صاحوا: المجد لـ "سيامند"، المجد لـ"خجة"، فرفع "سيامند خجة" وأركبها وراءه على الحصان أمام أعين الرجال والنساء، وامتطى رجال الزعيم الصهوات وحاولوا اللحاق به، ولكنه كان يسابق الريح، وصعد الجبال، وقال: يا "خجة" أريد الاستراحة، وأن أضع رأسي على ركبتيك وأنام برهة، وضع رأسه على ركبتها وغرق في نوم عميق، فمر سرب من الأيائل حولها سبعة من تيوس الأيائل قد أبعد عنها أيل أعور أعرج مكسور القرن، اضطرب فؤاد "خجة" وقالت في نفسها: إن التيوس السبعة هم إخوتي والأيل هو "سيامند" والظبية الجميلة هي أنا، وبكت حتى سقطت دموعها على وجه "سيامند"، فاستيقظ وقال: "خجة" قسماً بالله لئن كنت ندمت فلن أتزوجك، وسأعيدك إلى أهلك كما أتيت طاهرة بريئة، فردّت قائلة: لولا حبي لك ورضائي بك لما أتيت معك من أول الأمر ولا عرضت نفسي إلى الخطر والغربة، ولكن حبي لك جعلني أتخلى عن كل ذلك وأرافقك في الوديان والجبال، فرد عليها: إذن ما سبب هذا البكاء إن لم يكن بكاء ندم، فأفصحت له عن السبب».

السيد أنيس مديواية

وللقصة الحزينة نهاية حزينة: «قال "سيامند": "خجة" أنا "سيامند" وتقارنيني بالأيل الأعور الأعرج، سوف أصيد ذلك الأيل وأذبحه، وبعد أن قطع مسافة رآه واقفاً على صخرة مشرفة على واد عميق، منفرداً بالظبية الذهبية، سدد إليه السهم في نحره وجرد النصل من الغمد ووضعه على عنقه يذبحه فاضطرب الأيل بشدة وصدم "سيامند" صدمة عنيفة ألقت به في الهاوية السحيقة فوق شجرة يابسة مسنونة الأغصان، اخترق غصن حاد ظهره ونفذ من صدره، مكثت "خجة" برهة ولاحظت أنه تأخر أكثر من المنتظر، وراحت تبحث عنه، وجدت الأيل المذبوح، فسمعت أنين "سيامند" يتعالى من الوادي، أطلت عليه فإذا هو ملقى على ظهره في الشجرة اليابسة فبكت أشد بكاء، فقال "سيامند": كفاك بكاء، أما أنا في الرمق الأخير، اصعدي إلى الأعلى عسى أن تشاهدي إخوتك السبعة، فرأت اثنين من إخوتها يتقدمان صوبها ويدققان النظر فيها، ظلت صامتة جامدة من الحزن والخجل، وحينذاك ترامى إلى أسماعهم أنين "سيامند" آتياً من تحتهم، فقالوا: "سيامند" ماذا جرى لك؟ رد عليهم: إنكم ترون بأعينكم ما جرى لي، أخذوا أختهم وجواد "سيامند" وغادروا المكان كأنه لم يحدث شيء، فكرت "خجة": يريدون إعادتي وتزويجي إلى ابن زعيم العشيرة وهل يوجد من يقارب "سيامند" حسناً وشهامة، فخلعت خلخالها الذهبي ورمته خفية في الطريق ثم قالت أيها الأشقاء نسيت خلخالي هناك انتظروني ريثما أعود به حالاً، عادت إلى شفة الهاوية ثم قالت: "سيامند" أفسح لي المكان، سألقي بنفسي إلى جانبك، لا أريد أن أسبب مزيداً من الألم لجرحك العميق، قال "سيامند": استحلفك بالله ألا تغامري بحياتك، أما أنا فقد كان الأمر خطأ خارجاً عن إرادتي، وقفت وعصبت عينيها الجميلتين بمنديلها الذهبي وألقت بنفسها في الهاوية فوق الشجرة اليابسة واستقرت هامدة إلى جانب "سيامند" ساكنة سكون الأبد إلى جانب من أحبها يهفو عليهما أريج عابق ونسيم عليل».

الكاتب "أنيس مديواية" تحدّث بنظرته الأدبية عن القصة بالقول التالي: «أنا مطلع على القصة من بدايتها حتى نهايتها، اللغة متينة والأسلوب شيّق جداً، والأحداث متسلسلة بطريقة تجذب القارئ، والكاتب تألق جداً في ترتيب ورص الكلمات بين القوة والجزالة وبين الليونة والعطف، فالقارئ بحكم الأسلوب الأدبي الرائع تعاطف كثيراً مع الحبيبين، فعندما خرج الدكتور المرحوم "البوطي" للكتابة في هذا النمط وفق كثيراً، علماً أن هذه القصة الحقيقية عمرها عشرات السنين وماتزال تُحكى وتُروى في المجالس وتُدوّن على سطور الصفحات».