بعد أعوام من الجد والسهر حصد الطلاب ثمار تعبهم كلٌ حسب بلائه في المعركة الامتحانية، فالنجاح لا يأتي بين ليلة وضحاها، ولم يكن التفوق يوماً وليد لحظة عابرة، كما لا يلعب الحظ دوراً في تحديد المراكز. فالتميز كان وسيبقى سمة من سمات الجادين، وكما قالت الأعراب "لكل مجتهد نصيب".

"غانم بشار الجاسم" ابن محافظة "الحسكة" من مواليد عام 1993 م، حصد المرتبة الأولى على منطقة الجزيرة السورية في الشهادة الثانوية الفرع العلمي وبمجوع وقدره 289/290.

كنت أقدم المساعدة الدراسية لـ"غانم" قدر الإمكان حتى إنني كنت ألخص له بعض الكتب، ونقوم بمناقشتها فيما بعد، والوصية الوحيدة والأهم التي أريد إيصالها لكل والد هو الاهتمام بالطالب وتأسيسه منذ المرحلة الابتدائية، فالصفوف هي عبارة عن سلسة متصلة متى ما فقدت منها حلقة واحدة أصبح هناك خلل سينعكس مستقبلاً

موقع eHasakeh زار بطل الجزيرة في منزله ليحدثنا عن مشواره الذي تكلل بالنجاح فكان هذا الحوار.

اسرة غانم تغمرهم فرحة النجاح

  • كيف كانت مسيرة التحضير للشهادة العلمية ومتى بدأتها؟
  • ** لقد بدأت المشوار الدراسي منذ الصف الحادي عشر في الفصل الثاني، حيث خضعت لدوارات في المواد العلمية وكنت أماشيها مع مواد الصف الحادي عشر، لم يكن الوقت المخصص لدراسة المواد العلمية كبيراً بل اقتصر على مراجعة الدروس عند عودتي للمنزل، ولكن الضغط الحقيقي كان في الفترة الصيفية، فكم المواد الذي كنت أتلقاه من أساتذتي كان كبيراً، أضف إلى ذلك حرارة الصيف وبعد المعهد الذي كنت أذهب إليه، كل هذه الأمور كانت تحسب على وقت الدراسة، أيضاً يتطلب الطالب أوقاتاً معينة للراحة بعد مراجعة الدروس، هذه الراحة تساعد العقل على تخمير المعلومات وترتيبها بالشكل المطلوب.

    غانم بين اسرته

  • كيف كان الحال مع بداية العام الدراسي ودخول المعترك الحقيقي؟
  • ** في البداية كانت دورات التقوية تشكل عبئاً كبيراً علي، فالتنسيق فيما بينهما كان يخلف إرهاقاً شديداً من الناحيتين النفسية والجسدية، ولكن مع دخول الفصل الثاني انقطعنا عن الدوام المدرسي وتفرغت للدراسة بشكل حثيث، وقد ساعدنا مدير المدرسة في وضع الحصص العلمية في بداية الدوام، فبعد الانقطاع تنفست الصعداء إذ كان توقيت دورات التقوية في الساعة السادسة صباحاً، أضف إلى ذلك قلة النوم التي لم تكن ساعاته تتجاوز أربع ساعات، وبعد انتهاء الدورة في السابعة والنصف صباحاً كنت أذهب إلى المدرسة، وأعود للمنزل لأنكب على كتبي إلى ما بعد منتصف الليل، وأكثر ما كنت أعانيه هو قلة المواصلات في الصباح الباكر حيث البرد القارس والضباب الكثيف، ولكن كل هذه الأمور لم تزدني إلا إصراراً.

  • ما أكثر الأمور التي حفزتك على التفوق؟
  • ** كان هناك العديد من الأمور التي دفعتني لأكون متفوقاً ليس متفوقاً عادياً بل أن أتفوق إلى أقصى الحدود، فمثلاً كلما كنت أذهب إلى الدورات أو إلى المدرسة كان يخاطبني الجميع بالدكتور، "ذهب الدكتور، جاء الدكتور"، هذا الأمر جعلني أجاهد لكي أكون عند حسن ظن الناس بي، أضف إلى ذلك أنني فوجئت وأنا عائد من دورة التقوية بوفاة عمي، وهذا الموقف كان قد أثر في نفس جدتي بشكل كبير، وأنا منذ الصغر أحب جدتي بشكل غريب فقررت أن أصنع شيئاً ما لأفرحها، كما يجب ألا أنسى ما قدمه والداي من تعب وجهد ومصروف فحاولت أن أرد لهما ولو جزءاً يسيراً من المعروف.

  • هل يلعب الأصدقاء دوراً في تفوق الطالب من عدمه ولماذا؟
  • ** يمكن القول إن الأصدقاء هم مثل الإعصار فحين تنخرط بينهم سيذهبون بك إلى حيث هم ذاهبون، لذلك يجب على جميع الطلاب أن يحسنوا اختيار الأصدقاء، أنا على سبيل المثال لدي العديد من الأصدقاء ليس لديهم هاجس سوى الدراسة والتفوق، وهذا الأمر يرفع حرارة المنافسة، فأنا وأصدقائي كان محور سيرنا يتجه من المدرسة إلى المنزل والعكس صحيح، ولكن هذا لا يعني أن الطالب يجب ألا يرفع رأسه عن الكتاب، فقد يؤدي مثل هذا السلوك إلى كارثة في المستقبل مثل الملل أو ردة فعل عكسية عند الطالب، بل يجب الترفيه عن النفس ولو لمدة قصيرة جداً ليستعيد الطالب نشاطه.

  • بماذا تنصح الطلاب من بعدك وما حكمتك في الحياة؟
  • ** فيما يتعلق بالطلاب فأنا أتمنى منهم جميعاً المواظبة على الدراسة بشكل جيد ومنظم، وألا يخجلوا من طلب التوضيح لأي معلومة مهما كانت صغيرة، كما أتمنى عليهم أن يقدروا التعب والجهد الذي يتكبده الأهل على جميع الصعد ليصل الطالب إلى نتيجة تمكنه من دخول الفرع الذي يريد، فأنا كنت أحلم أن أكون طبيباً وهذا الحلم لا يأتي بالتمني كما قال الشاعر "وما نيل المطالب بالتمني/ ولكن تؤخذ الدنيا غلابا".

    السيد "بشار صبحي الجاسم" طبيب بيطري ونقيب الأطباء ومدير المعهد التقاني للطب البيطري في محافظة "الحسكة" والد "غانم" يقول: «من أصعب الأمور التي يعاني منها الأهل هو كيفية التعامل مع طلاب الشهادات عموماً والفرع العلمي خصوصاً، أنا على سبيل المثال كنت أحاول قدر الإمكان أن أوفر طقوساً ملائمة لـ"غانم"، وكنا نتحاشى أن نظهر أمامه أي انفعالات أو أمور قد تعكر صفوه الدراسي، فالطالب يكون في حالة من الضغط النفسي الذي لا يحسد عليه، وهنا يأتي دور الأهل في التنفيس قدر الإمكان، ومن الأمر التي جسرت الهوة بيني وبين أولادي هو التعامل على أساس الصداقة، والوصية الأهم التي كنت وما زلت أوصيهم بها هي عدم الكذب، فمتى ما اجتاحت الإنسان هذه الظاهرة لن يجد لتركها سبيلا».

    يضيف "الجاسم": «كنت أقدم المساعدة الدراسية لـ"غانم" قدر الإمكان حتى إنني كنت ألخص له بعض الكتب، ونقوم بمناقشتها فيما بعد، والوصية الوحيدة والأهم التي أريد إيصالها لكل والد هو الاهتمام بالطالب وتأسيسه منذ المرحلة الابتدائية، فالصفوف هي عبارة عن سلسة متصلة متى ما فقدت منها حلقة واحدة أصبح هناك خلل سينعكس مستقبلاً».

    المهندسة الزراعية "مرح عبد الصمد المشرف" والدة "غانم" تقول: «أنا كوالدة لم أقدم أكثر مما قدمت في السابق، فالأم منذ اللحظة الأولى التي يخلق فيها الطفل تعطيه دون حساب، بل تعطيه كل ما تملك ولذلك لا تستطيع أن تعطيه أكثر في أوقات الامتحانات وإلا لكانت زادت جرعات العطاء منذ البداية، ولكن كنت أتحاشى أن يصل أي منغص يعكر صفو "غانم"، حتى وإن كان هناك خلاف عائلي بسيط أو اختلاف في وجهات النظر، كل هذه الأمور كانت تناقش وتسوى بعيداً عن مسامعه، والحقيقة أنني فخورة اليوم بنتائج ولدي، ولا أبالغ إن قلت إنني قفزت إلى السماء عند سماع النتيجة، أتنمى أن تزور هذه الفرحة منازل الطلاب جميعاً».