أحد أصغر مدربي الموسيقا في مدينة "القامشلي"، هرب من مدينته "الرقة" أثناء سيطرة تنظيم "داعش" تاركاً خلفه لحظات جميلة مع الفن والعزف ومختلف الآلات الموسيقية، وعندما عاد إليها عاد ليعزف على أنقاضها وأنقاض آلاته.

بدأ عشقه للموسيقا وتعلقه بها في سن مبكرة، لم يكن آنذاك يميز حتى بين آلاتها، ومع ذلك فقد وجد دعماً جميلاً من والده، فانطلق في تلك السن إلى معاهد تعليمها حسب قول الشاب "هاروتيون كريكور خاجيك مادارجيان" لمدوّنة وطن "eSyria".

قدمنا عروضاً موسيقية خلال مناسبات عدة سواء في مدينتنا أو في محافظات أخرى، وشاركت ضمن دائرة المسرح المدرسي لتربية "الرقة"، ولتبدأ بعد ذلك مرحلة من الألم في حياتي مع دخول المسلحين إلى مدينتي

أول آلة تعرف عليها وهو تلميذ في الصف الثاني كانت "الكمان"، وعن تفاصيل ذلك قال: «عادة الأطفال في هذه السن متابعة قنوات تلفزيونية خاصة ببرامج الأطفال، أنا كنت على العكس من ذلك أبحث عن القنوات التي تعرض الموسيقا والعزف، لم يكن لدي سبب مباشر سوى الشعور والإحساس بميلي لهذا الفن، وقد لاحظ والدي حبي وتوجهي للموسيقا، فاصطحبني بعد نهاية العام الدراسي إلى معهد "أورنينا" الموسيقي في مدينة "الرقة" لأتعلم هذا الفن الجميل».

جانب من طلابه

وهكذا بدأت رحلته مع الموسيقا وآلة "الكمان"، ولتبدأ لاحقاً مشاركاته، فكانت البداية مع مسابقات الرواد خلال دراسته الابتدائية وكان من الأوائل على مستوى محافظته "الرقة" لثلاث سنوات متتالية، وخلال عامي 2007 و 2008 حصل على المركز الأول على مستوى القطر بالعزف على الكمان، وهو ما جعله يحظى بتكريم خاص تمثل في زيارة دولتي "مصر، تونس" ضمن بعثة خارجية.

شارك مع فرقة "أورنينا" الموسيقية بإحياء مناسبات عديدة في مدينة "الرقة" وخارجها وعن ذلك قال: «قدمنا عروضاً موسيقية خلال مناسبات عدة سواء في مدينتنا أو في محافظات أخرى، وشاركت ضمن دائرة المسرح المدرسي لتربية "الرقة"، ولتبدأ بعد ذلك مرحلة من الألم في حياتي مع دخول المسلحين إلى مدينتي».

فرقة هارموني خلال إحدى المشاركات بالقامشلي

بعد دخول مسلحي تنظيم "داعش" إلى المدينة، تحولت حياة الشاب "هاروتيون" إلى حياة حزن ووجع، بعد أن كانت مملوءة بالفرح والموسيقا، وبحسرة يسرد بعضاً من تلك التجربة المؤلمة فيقول: «أصبتُ باليأس والانكسار نتيجة أنني لم أعد قادراً على التواصل مع معهدي وآلاتي، التي صارت كلها بعيدة عني، وبعد أشهر تمكنت من الوصول إلى صديق يملك آلة كمان استطعت تصليحها وإعادة الروح والحياة لها، وفي أول عزف لي عليها سمعنا المسلحون فجاؤوا إلى منزل صديقي وحطموا الآلة، لذلك لم يكن أمامي خيار سوى التوجه إلى مدينة "القامشلي" يلازمني في رحلتي تلك الخوف والهلع من واقع مدينتي، حتّى عندما كنت أسير في شوارع "القامشلي" كنت أنظر حولي خشية ظهور مسلحي "داعش" فجأة، وبعد فترة من هذه الحالة التقيت بالفنان "رامان داري" صدفة، الذي كان قد سمع عن موهبتي، فعرض علي زيارة معهده الموسيقي لأعزف وأغني معه، وقد كانت زيارة رائعة أعادت لي الروح والحياة».

أعجب القائمون على المعهد والفنان "داري" بعزف الشاب، فعرضوا عليه أن يكون مدرباً موسيقياً في المعهد، ذهل من عرضهم، ووافق ليكون بذلك أحد أصغر المدربين وليساهم لاحقاً في تطوير المعهد وكسب أكثر من 25 طالباً بعد أن كان عددهم لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة.

معهد هارموني

بالتزامن مع عمله كمدرب موسيقي حصل على الشهادة الثانوية، والتحق بجامعته، وقرر أن يخصص مكاناً خاصاً به لتعليم الموسيقا، ويضيف عن ذلك: «نتيجة دوامي الجامعي، وعدم قدرتي على الالتزام بالمعهد، كان قراري بترك التعليم الموسيقي، لكن مع ضغط الطلاب وأهلهم، قررتُ استئجار محل صغير لتعليم الموسيقا، وبعد فترة قصيرة ازدادت أعداد الطلاب الراغبين بالتعلم وعلى مختلف الآلات، فاستأجرت محلاً أوسع رغم أنني لم أكن أملك القدرة الشرائيّة لتأمين مواد ومستلزمات المحل، حتّى أن الأشهر الأولى كان الطلاب يتعلمون وهم واقفون، بعدها قمت بشراء الكراسي فقط، وفي كل شهر أقوم بشراء قطعة تلزم للمحل، وقبل شهرين فقط حتّى علقت (اليافطة) الخاصة بالمكان، تبقى سعادتي هي في الإقبال الكبير من شباب "القامشلي" لتعلم الموسيقا والتعرف على آلاتها».

خلال وجوده في "القامشلي" توّج بالمركز الأول بالعزف على آلة الكمان بعد منافسة مع حوالي 40 عازفاً، وهي تجربة يعدها رائدة في حياته، ورغبةً في المشاركة بالمناسبات والمسابقات والمهرجانات المحلية أسس فرقة فنية من الطلاب الذين علمهم في المعهد.

يستمد الفنان "شيخو عز الدين" تفاؤله وثقته من الشاب المبدع "هاروتيون"، ويقول: « أجده شاباً فنياً متميزاً بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، لم يرضخ للآلام والتحديات الكثيرة التي واجهته، ترك بصمات جمال ومحبة في مدينتنا أبرزها تعليمه الموسيقا والعزف لمئات الشباب وهو الذي فرض اسمه بين قائمة العازفين الأوائل في منطقتنا، رغم صغر سنه وقصر فترة إقامته بيننا، إنه معطاء ومبدع».

الشاب "هاروتيون" من مواليد "الرقة" 1997، وأجري اللقاء معه بتاريخ 28 نيسان 2021.