سخّرت جهداً كبيراً لتدوين ذاكرة الماضي في مختلف مجالاته، فأقامت معرضاً لم تشهد منطقتها مثيلاً له، تركت إغراءات الحياة في سبيل الحفاظ عليه، باتت محط الإعجاب بمبادراتها الاجتماعية والحفاظ على الزراعة بجهد ذاتي.

مدوّنة وطن "eSyria" بتاريخ 27 كانون الثاني 2019، توجّهت إلى قرية "معشوق" التابعة لناحية "الجوادية" التي تبعد عن مدينة "القامشلي" 50كم، حيث المعرض التراثي الذي أقامته "حزنية أوصمان" بجهد كبير وسنوات طويلة، عن البدايات تحدّثت: «أثناء توجهي إلى المدرسة في المرحلة الابتدائية، كان ضمن أحلامي تقديم شيء لقريتي، وأن أصبح امرأة فاعلة في مجتمعي وبيئتي، لم تمضِ رحلة الدراسة، لأتكفل بشؤون البيت، بعد زواج شقيقاتي الخمس، وسفر الجميع مع الشقيقين إلى خارج الحدود، فصارت تربية الأبقار والأنعام مهمتي، كذلك الاعتناء ببستان المنزل؛ زراعته وحراثته باستمرار واستخدام كل وسائل الزراعة، في البداية رفضتُ كلّ إغراءات السفر إلى "أوروبا"، وبعد سفر والدتي بقيت وحيدة، مع ذلك بقيت في أرضي وبيتي ثلاث سنوات وخمسة أشهر، بعدها كان السفر -مُكرهة- إلى "السويد" عام 2000، حيث جميع الأهل فيها، كنت أزور الأماكن الخاصة بالأدوات القديمة، دهشتي كانت برصد مواد تخص منطقتنا، كالفوانيس، وبعض أدوات الزراعة، والنحاسيات، وغيرها، خصّصتُ زيارات يومية إلى ذلك المكان، عاهدتُ نفسي بالعودة إلى وطني، وإقامة معرض تراثي وفلكلوري».

طوال حياتي لم أجد امرأة مثالية بهذا العطاء، منزلها بوجه عام لوحة رائعة، ومعرضها وما يضمه من مئات القطع يشعر الزائر بالدهشة والفخر. أمّا طريقة تعاملها الإيجابية مع والدة مريضة ومجتمع كبير يزور المعرض، فقد كانت لافتة، حتّى إنها تؤدي واجب الضيافة، وإصرارها على ذلك لكل من يطرق باب منزلها، والكثيرون من الزوار باتوا يرافقون أسرهم إلى ذاك المنزل؛ لما فيه من بهجة وانشراح

تتابع عن مراحل التحضير للمعرض: «نهاية عام 2005 عدتُ إلى البلد برفقة والدتي، بدأت على الفور جمع المواد والقطع التراثية، وخصصتُ جزءاً من المنزل لذلك، ثم كان البحث والتجوال في جميع القرى والبلدات والمناطق القريبة والبعيدة لشراء كل ما له علاقة بالتراث والماضي البعيد الجميل، استأجرت السيارات على نفقتي، وأتحمل جهداً كبيراً بالذهاب والعودة، ومشقة الوصول إلى تلك المناطق، مئات القطع ضمن معرض منزلي، تشمل أدوات الزراعة، والملابس الفلكلورية، وآلات الموسيقا، وجهاز العروس قديماً، وألعاب الصغار والكبار، ومواد الرعي والأنعام وصناعة الخبز، وغيرها الكثير، يضم تراث وفلكلور جميع أطياف المنطقة، حتّى اليوم أقوم بالتجوال والشراء، وإنجاز بعض القطع الأخرى يدوياً، وبمجرد مشاهدتي لأي شخص من مناطق أخرى، أسأله عن أدوات تراثية لاقتنائها ووضعها في المنزل، عام 2006 افتتحت أول معرض في قريتي، وتوافد إليه حضور كبير، وحتى أشجّع أبناء قريتي وأبناء الريف عامة على الحفاظ على تراثنا، تابعتُ افتتاح المعارض في القرى المجاورة والبلدات المتعددة، لذات الرسالة، وبجهد ذاتي».

تشرح للزوار حكاية القطع التراثية

تضيف عن رحلة التميّز: «استعنتُ بذاكرة والدتي "فريدة صومي"، حيث شرحت لي عن الكثير من التراثيات التي تتعلق بالخياطة والتطريز، إضافة إلى مواد تنجز من التراب، والسجادات القديمة، فكان إنجاز العشرات من القطع يدوياً، كانت صعبة ومتعبة للغاية، خاصة أنني أجلب التراب، وأحوّله إلى طين، وأقوم بخلطه بالقدمين واليدين، ثمّ يتم تصنيع المادة المطلوبة. أمّا الخياطة، فتطلبت منّي بعض موادها صبراً كبيراً وساعات طويلة من العمل، هناك سجادتان استغرق إنجازهما ثلاثة أشهر، الأهم وجود مواد تراثية في المعرض لا توجد في أي مكان بالمنطقة، وجمهور منزلنا يتوافدون من كل المناطق، فما أريده الحفاظ على تراث الآباء والأجداد».

وعن بصماتها في المجالات الأخرى، قالت: «أعيل والدة معوقة، تحتاج إلى مساعدة خاصة وعناية على مدار الساعة، وتحظى بذلك، إضافة إلى اهتمامي اليومي بالبستان، والمشاركة في جميع الواجبات الاجتماعيّة، والحفاظ على مكانة الأسرة في المجتمع، وكأن رجالها لم يغادروا، مع مساعدتي ودعمي لأي فتاة راغبة في تعليم الخياطة والتطريز، كما كانت تفعل الوالدة لسنوات طويلة، وأنا أمضي على نهجها، كل ما يلزم المنزل من أعمال تخص الرجل والمرأة من اختصاصي، هذا الأمر يظهر واضحاً في كل أرجائه، إضافة إلى رسم الجمال والبهجة في أركانه، واستقبال زوّار المعرض والبيت بأفضل حال».

اهتمام كبير بكل أجزاء المنزل

"دليل البار" من أبناء مدينة "القامشلي" بيّن رأيه بالمعرض وتفاصيل حياة "حزنية" قائلاً: «طوال حياتي لم أجد امرأة مثالية بهذا العطاء، منزلها بوجه عام لوحة رائعة، ومعرضها وما يضمه من مئات القطع يشعر الزائر بالدهشة والفخر. أمّا طريقة تعاملها الإيجابية مع والدة مريضة ومجتمع كبير يزور المعرض، فقد كانت لافتة، حتّى إنها تؤدي واجب الضيافة، وإصرارها على ذلك لكل من يطرق باب منزلها، والكثيرون من الزوار باتوا يرافقون أسرهم إلى ذاك المنزل؛ لما فيه من بهجة وانشراح».

يذكر، أن "حزنية أوصمان" من مواليد قرية "معشوق"، عام 1975.

مع والدتها التي تقدم ذاكرتها لخدمة معرضها