انضمّ إلى عالم الموسيقا في مرحلة مبكرة من العمر، وكان عاشقاً ومدرّباً في فرق مدينته الفنيّة لسنوات طويلة، تميز بتأسيس جيل من الفنانين الذين يتقنون العزف على الآلات النفخية، إضافة إلى أجيال من الموهوبين بالعزف على آلات أخرى، والأهم من كل ذلك تأسيسه لمكتبة موسيقيّة ضخمة في منزله.

مدوّنة وطن "eSyria" بتاريخ 26 كانون الثاني 2019، زارت منزل "زكريا عيسى حنا" ليسرد مشواره الطويل مع الموسيقا وآلاتها المتعددة، مُتحدياً وعكته الصحيّة، وسنوات عمره الطويلة، وعن البدايات قال: «كنتُ تلميذاً في المرحلة الابتدائيّة، فانتسبتُ إلى الفوج الكشفي الرابع، لأتعلم العزف على الآلات الموسيقية، فقد دخل عشقها إلى قلبي مبكراً، وأصبحت هوايتي المفضلة. كسبتُ تفاصيل مهمة من مدرّب الفوج "حسن ترك"، مستمراً معه أثناء دراستي الإعدادية، وازداد الحب والاهتمام، فالطموح الوصول إلى أبعد من ذلك. كانت لي مشاركات فنية مع الفوج بمناسبات عديدة، سخرتُ وقتاً كبيراً لذلك العالم الجميل في منزلي يصل إلى 8 ساعات يومياً، والتعلم ذاتي، والبحث عن أي معلومة تفيد في تطوّر مستواي، وتعطيني تألقاً في الآلة التي ملكت عقلي وقلبي "الترومبيت"، ويبقى الحدث الأهم لمشاركاتي مع الفوج الرابع، عندما كنتُ متدرباً واستقبلنا الرئيس "جمال عبد الناصر" في مدينة "القامشلي". وأثناء توجهي إلى خدمة العلم، تم قبولي لأكون ضمن كوادر الفرقة النحاسية للجيش العربي السوري، وهي مختصة بالمراسم الرسمية، وجاء القبول بعد اختبارات عديدة أمام لجنة مختصة».

أعدّه السبب في حبي للموسيقا، فهو يزرع حبها في قلوب كل من يعرفه، فهو المعلّم والمدرّب، شاهدته كما أغلب الشباب، في مختلف المناطق يقدم تعليمه بهدوء ومحبة، ووجدته مبدعاً؛ ومن يدربهم أيضاً بذات الصورة، وأثناء مباريات رسمية لنادي "الجهاد" وغيرها من المناسبات الكثيرة تظهر بصمتهم الموسيقية واضحة، لذلك كانت الرغبة لأكون مثلهم. لا يتردد في تعليم أي مُحب للموسيقا، ويمنح المعلومة بجهد وعناية كبيرة، وتبقى مكتبته الموسيقية إرثاً كبيراً لأجيال قادمة

ويتابع "زكريا" عن مشواره الفني: «أثناء خدمة العلم شاركنا وقدمنا بصمة فنية جميلة، أشاد بها نخبة من رجال الموسيقا على مستوى القطر، أبرزهم الموسيقار "حلمي اربيللي" رئيس موسيقا الجيش العربي السوري السابق، الذي منحني هدية موسيقية تقديراً لإبداعاتي. كانت الوجهة لتدريب الفوج الكشفي الرابع بنهاية الستينات، وبالتزامن كان إشرافي على تدريب فرقة الشبيبة الموسيقية، وفرقة طلائع البعث في "القامشلي"، وعلى مدار 30 عاماً، حقق خلالها عديد المتدربين الجوائز والشهادات على مستوى القطر، والكثيرون منهم نالوا الريادة، إضافة إلى مشاركات الفرق في مختلف المحافظات السورية، ومشاركة للفوج بزيارة "القدس" عام 1967، وبعد العودة من تلك الزيارة وحتى عام 1980 تطّلعتُ لتحقيق إنجاز موسيقي لم تشهده المنطقة الشرقية، وربما على مستوى القطر، وقطفت ثمرة جهد تلك السنوات».

أثمن هدية في منزله

وعن إنجازه الفني الأهم يتابع: «عام 1980 كانت ولادة المكتبة الموسيقية في منزلي، بعد جهد كبير بدأته عام 1967 بالمراسلات الكثيرة إلى كثير من الدول الأوروبية منها: "بريطانيا"، "فرنسا"، "ألمانيا"، "السويد"، للحصول على المقطوعات العسكرية الموسيقية منها ومن غيرها، والعمل الطويل أثمر بتأسيس تلك المكتبة، حتى إن بعض المراسلات كانت تستغرق خمسة أشهر. وتضم المكتبة أيضاً معزوفات ومقطوعات عالمية مختلفة، إلى جانب المقطوعات العسكرية التي استخدمت في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وقد استعانت بالمكتبة جهة موسيقية عسكرية من "دمشق" عام 2015، وهبتُ لها عملنا المهم من المكتبة، وبدورها قدمت مديرية ثقافة "ريف دمشق" بطاقة شكر بناء على ما قدمناه. ومع بداية الثمانينات توجهتُ إلى تدريب الفوج الكشفي السادس للطائفة الأرمنية، وكانت لنا مشاركات عديدة، أبرزها استقبال رئيس جمهورية "أرمينيا" في مدينة "دير الزور" عام 2009، واستقبال بطرك "أرمينيا" في "القامشلي"، وقد أشار البطرك إلى الحضور جميعاً، بأن الدول العديدة التي زارها، لم تستطع فرقها الموسيقية تقديم ما قدمه الفوج السادس، ومن خلال ذلك طالب بتقديم الدعم وشراء آلات موسيقية للفوج».

ومما أضافه عن مشواره الفني: «عندما توجهت إلى الموسيقا، كان قراري استخدام الآلات النفخية، لحساسيتها وصعوبتها، مع خبرتي الكافية بجميع الآلات الموسيقية، ومن شدة التعلق بهذا الفن، توجه أبنائي الثلاثة إلى الموسيقا، وجميعهم حصدوا الريادة على مستوى القطر، وهم ضمن الفرق الفنية بالمدينة، إضافة إلى ذلك قمتُ بتأسيس فرقة نحاسية لقطعة عسكرية بمدينة "القامشلي" وتدريبها، ويضاف إلى مسيرتي الفنية تأسيسي مع خمسة أصدقاء عام 1963 فرقة فنية شبابية بعنوان: "أوركسترا الأضواء"، حيث كان حدثاً رائعاً للمدينة وأهلها، وكان كل شخص منّا يدفع مبلغ 100 قرش حينئذٍ، من أجل تأمين الآلات الموسيقية، وعلى الرغم من المعاناة المادية، استمرت الفرقة ثلاث سنوات. وحتّى اليوم لم أستسلم لضغوطات الحياة المختلفة وسنوات العمر، بل أعيش مع أسرتي الفنية بسعادة كبيرة لما أنجزناه معاً».

جانب من مكتبته الموسيقية

"محمود صبري" من الكوادر الموسيقية في مدينة "القامشلي"، تحدّث عن إنجازات "زكريا" قائلاً: «أعدّه السبب في حبي للموسيقا، فهو يزرع حبها في قلوب كل من يعرفه، فهو المعلّم والمدرّب، شاهدته كما أغلب الشباب، في مختلف المناطق يقدم تعليمه بهدوء ومحبة، ووجدته مبدعاً؛ ومن يدربهم أيضاً بذات الصورة، وأثناء مباريات رسمية لنادي "الجهاد" وغيرها من المناسبات الكثيرة تظهر بصمتهم الموسيقية واضحة، لذلك كانت الرغبة لأكون مثلهم. لا يتردد في تعليم أي مُحب للموسيقا، ويمنح المعلومة بجهد وعناية كبيرة، وتبقى مكتبته الموسيقية إرثاً كبيراً لأجيال قادمة».

يذكر، أن الفنان "زكريا حنا" من مواليد "القامشلي"، عام 1944.

الآلة التي لا تفارقه