على الرغم من عقدها السابع مع الحياة، إلا أن المربيّة الفاضلة "جوزفين قومي" تثابر على عدم هدر لحظة واحدة من حياتها في سبيل خدمة مجتمعها بما تمتلكه من علم ومعرفة، لتترك بصمتها خالدة في ضمير كل من عرفها أو سمع عنها.

مدوّنة وطن "eSyria" وبتاريخ 10 أيلول 2017، التقت المربية المتقاعدة "جوزفين قومي" لتفتح معها رحلتها ومسيرتها في مختلف مجالات الحياة، حيث قالت: «ولدتُ ضمن أسرة همها الأول العلم والتعليم، فقد أتقنت القراءة والكتابة قبل دخول المدرسة، وفي المدرسة منحت لي امتيازات كثيرة من قبل الإدارة، منها الانضمام إلى الكشاف، إضافة إلى تقديم تحية العلم الصباحيّة، والمشاركة في تنظيم مختلف الأنشطة الفنية والأدبية التي كانت تقام في مدرستنا، وفي جميع تلك الحفلات كنت مقدّمة الاحتفال. إضافة إلى الانضمام لمنتخب المدينة في لعبة ريشة الطائرة، وممارستها لسنوات طويلة، حتّى بعد التقاعد أحياناً أمارسها في الحي من شدّة تعلقي بها. ولظرف طارئ حلّ بالأسرة لم أوفق في نيل الشهادة الإعدادية بالوقت المناسب، لكن بالعزيمة نجحتُ ونلتها بعد غياب عنها لمدّة سبع سنوات، وبالاعتماد على نفسي كلياً، وقمت بشراء الكتب بمبلغ 500 ليرة سورية كنت أملكها منذ عدة سنوات كهدية من الوالد، حيث كانت تساوي هذه الأموال ثروة كبيرة. وتابعت بعدها تميزي في جميع سنوات دراستي».

سخّرت حياتها لمساعدة الفقراء والمحتاجين والأيتام، تقدم لهم المال وكل ما تستطيع تقديمه، حتّى ذهب والدتها بعد وفاتها وزّعته على المحتاجين والذين تعزّهم، إضافة إلى ذلك وعلى الرغم من سنوات عمرها الكبيرة، إلا أنها تتنقل يومياً من مكان إلى آخر في سبيل حضور نشاط أدبي أو فني، مهما يكن المكان بعيداً، وأينما يوجد الكتاب تكون حاضرة معه

وتتابع عن مشوارها كمربية في مدارس التربية بالقول: «تعاملت مع الأطفال الذين قمت بتعليمهم على مدار 33 عاماً من خلال برنامج خاص، تمّ الاعتماد على والديّ في وضعه لما يحملان من قيم كبيرة من وجهة نظري، وقد قمت بخطوة لم تكن موجودة طوال سنوات التعليم في منطقتنا؛ وهي مرافقة التلاميذ إلى عديد المنشآت التي كانت تتحدث عنها المناهج الدراسية، فرافقتهم إلى مطار "القامشلي"، والمخابز الحكومية، إضافة إلى المستشفى الوطني، ومحطة القطار، وحينئذٍ قال لي مدير السكك الحديدية: (لم أجد ولم أسمع بهذه الخطوة التربوية الرائدة في مدينتنا). أيضاً أخذتهم إلى دوائر ومؤسسات أخرى هادفة، وحرصت خلال رحلة الطريق من المدرسة إلى المنشأة أن يكون الوقت حافلاً بالفرح والغناء وإنشاد الأناشيد الوطنية، ولأنني تعاملت مع التلاميذ كأننا بيت واحد وأسرة واحدة، كان الأطفال يحتفلون معي بأعياد الأم والمعلم والطفل، وساهمت بتعليمهم كل جماليات الحياة، إلى جانب أن العديد منهم استمر بالتفوق والتميز، لأنني تابعتُ معهم مراحل متقدمة لدراستهم».

الأطفال كل اهتمامها

وعن نهاية مشوارها التربوي، تضيف: «منذ 13 عاماً دخلت سن التقاعد القانوني من التربية، ومنذ ذلك الوقت حتّى اليوم أقوم بتعليم عشرات الأطفال مجاناً مختلف جوانب التعليم، فتعليم تلك الفئة جزء مهم من حياتي، أمّا الوقت الآخر، فيكون بين الكتب والمطالعة وما تركه والدي من مئات الكتب بعد رحيله عن الدنيا. كل أسرتي انتقلت إلى دار الآخرة، وأنا الوحيدة حالياً، وقد عرض عليّ كثيراً السفر إلى أهلي في "أوروبا" لكنني رفضتُ، وأعلنتُ أنّ موتي سيكون على تراب وطني. وتبقى اللحظة الأجمل في مسيرتي عندما تمّ تكريمي في المركز الثقافي كأفضل معلّمة، شعرتُ حينئذٍ بأنّ الأطفال الذين ربيتهم قاموا بتكريمي».

إحدى صديقاتها "هدى ملكون"، قالت عنها: «سخّرت حياتها لمساعدة الفقراء والمحتاجين والأيتام، تقدم لهم المال وكل ما تستطيع تقديمه، حتّى ذهب والدتها بعد وفاتها وزّعته على المحتاجين والذين تعزّهم، إضافة إلى ذلك وعلى الرغم من سنوات عمرها الكبيرة، إلا أنها تتنقل يومياً من مكان إلى آخر في سبيل حضور نشاط أدبي أو فني، مهما يكن المكان بعيداً، وأينما يوجد الكتاب تكون حاضرة معه».

جوزفين قومي تملك رصيداً شعبياً طيباً في منطقتها

يذكر أنّ "جوزفين قومي" من مواليد مدينة "القامشلي"، عام 1944.