فقد قدميه، وضاع نور عينيه في مرحلة الطفولة، لكنه تسلح بنور الإرادة والعزيمة، وتابع رحلته في الحياة محققاً فيها إشراقات وبصمات فنية واجتماعية، مدعماً ذلك بحبه لآلة "البزق".

مدوّنة وطن "eSyria" بتاريخ 23 تموز 2016، زارت "محمد صالح عبد الكريم" في منزله بمدينة "القامشلي" الذي جعل منه أنموذجاً للجمال والمتعة، يديره ويشرف عليه، ويستقبل زوّاره بعزيمة الروح لا الجسد الذي فقد منه الكثير، وعن حياته يقول: «أثناء الطفولة المبكّرة تعرضت قدماي للكسر مرتين، وبسببه أصبحتُ عاجزاً نهائياً عن المسير إلا من خلال الاعتماد على يدي، وأثناء تلك المرحلة تعرضت لضربة شمس فكانت الخسارة لعيني، ففقدت البصر بالكامل، وطوال سبعة أشهر لم أعلم أهلي بأنني أصبحتُ ضريراً حرصاً على مشاعر الوالدة بالدرجة الأولى، لكونها كانت تحت صدمة إعاقة القدمين، وكنت متقناً تفاصيل حركتي وأماكن جلوسي ونومي، لذلك تمّ إخفاء الأمر عليهم للفترة المذكورة، وفي لحظة ما شعرت الوالدة وأخبرتها بالحقيقة، زرنا أكثر من طبيب في "اللاذقية، و"دمشق"، و"العراق" لكن جميع المحاولات والزيارات باءت بالفشل، ومع مرور السنين سافر إخوتي إلى خارج البلاد، وتوفى الوالد، وبقيت مع والدتي نعيش من كدّ عرقنا وجهدنا».

هناك زيارات دورية إلى منزله، يملك روحاً طيبة، وإرادة قوية، وابتسامة لا تفارقه، ويستطيع العزف والغناء باحتراف، فنحن نجد الكثيرين من حوله، فقط للاستماع إلى وجبة غنائية، لأنه يركز على الأغاني التراثية، وهو ما يبحث عنه الكثيرون، لديه اهتمام كبير بالناحية الاجتماعية، وعلى الرغم مما يعانيه فهو حريص على تأدية الواجب الإنساني والاجتماعي

للعزف مكانة مهمّة عنده، ويقول: «عام 1984، كنت قد تعلمتُ العزف على آلة البزق باجتهاد ذاتي، ثم وصلت إلى الاحتراف، وأوّل حفلة عرضت عليّ في منطقة "الدرباسية" أمام حشد كبير من الجمهور، وفيها حصلت مراهنات كبيرة بين طرف راهن على الفشل بسبب الإعاقة، وآخر تحدى بعكس ذلك، وبعد العزف كانت الصدمة الكبيرة لكل من تابع الحفلة، فقد عبروا عن دهشتهم وسعادتهم الكبيرة بما قدمته من غناء وعزف رائع، وعرض عليّ الإشراف على فرقة فنية وتعليمها، لتكون مسيرتي بالعزف والغناء في الحفلات نحو 11 عاماً، إلى جانب إصدار أربعة "كليبات" غنائية، مع إلقاء قصائد شعرية من تأليفي في تلك المناسبات الفنية وغيرها، وبعد أن فقدت والدتي قبل عدة سنوات أصبحتُ وحيداً في المنزل، أديره من الباب إلى المحراب، بالغسل والتنظيف وتجهيز الطعام، وترتيب منزلي، حتّى خدمة ضيوفي وتقديم واجب الضيافة لهم، لأنني أحفظ كل تفاصيل المنزل».

يقوم ببعض التصليحات في منزله

اعتمد على ذاته في مجالات أخرى، ويقول: «إضافة إلى كل ذلك أقوم بتصليح كافة الأعطال الكهربائية والتقنية والصحية التي تحدث في منزلي، ولم أستعن بأحد في ذلك، وكثيرة هي المرات التي صعدت فيها إلى سطح الدار من أجل صحن التلفاز وإصلاح العطل الذي رافقه، والراديو الذي أملكه منذ ثلاثين عاماً، وأستطيع الوصول إلى أي قناة أرغب بسماع أحداثها، إضافة إلى حفظ المئات من أرقام الهواتف المحمولة والثابتة في ذاكرتي.

ولأن تأمين لقمة الخبز مطلوبة مني فقط، أمارس مهنة تصليح البزق، والكثيرون يجلبونه لي في سبيل ذلك، وأقوم بإعطاء دورات في مجال العزف والغناء للأطفال تحديداً، أمام فقد البصر والحركة أتابع حياتي الاجتماعية وأقوم بالزيارات، وكانت الاستعانة باليدين في الذهاب والإياب لال السنوات الماضية، لكن خلال الأيام القليلة الماضية منحتني جمعية الإحسان كرسياً كان هدية عظيمة، فمن خلاله ازدادت الزيارات إلى أحياء أبعد من الحي الذي أسكن فيه، من أجل تلك العلاقات الاجتماعية.

في حوار مع مدونة وطن

لم أترك وطني، على الرغم من العروض الكثيرة، لإيصالي إلى الدولة التي أريد، ووعدوني بالرعاية الصحية والإقامة المجانية، لكن حب الوطن وطيب ناسها كانا المانع والامتناع برفض كل العروض والإغراءات».

"سلافا طاهر" العاملة في مجال الفن والدعم النفسي تحدّثت عن "محمد"، وتقول: «هناك زيارات دورية إلى منزله، يملك روحاً طيبة، وإرادة قوية، وابتسامة لا تفارقه، ويستطيع العزف والغناء باحتراف، فنحن نجد الكثيرين من حوله، فقط للاستماع إلى وجبة غنائية، لأنه يركز على الأغاني التراثية، وهو ما يبحث عنه الكثيرون، لديه اهتمام كبير بالناحية الاجتماعية، وعلى الرغم مما يعانيه فهو حريص على تأدية الواجب الإنساني والاجتماعي».

يذكر أن "محمد صالح عبد الكريم" من مواليد قرية "تل خالد، عامودا"، عام 1965.