يستقبل ويصلح عشرات "البوابير" يومياً، بعد أن عاش مع المهنة نحو خمسين عاماً، يعدّها جزءاً من حياته، وقطعة منه، وبنى من خلالها علاقات اجتماعية كثيرة.

مدوّنة وطن "eSyria" وبتاريخ 3 شباط 2016، زارت "موسى عمر حنّو" في الزاوية الصغيرة التي يعمل فيها منذ عشرات السنين، ضمن السوق المركزي، تلك الزاوية التي لا تتعدى حدود المتر الواحد، منحته لقب أقدم مصلح "بوابير" في منطقة "القامشلي"، من خلالها أسس لنفسه مجتمعاً جميلاً من كل أبناء وألوان المدينة وريفها القريب والبعيد، وعن بداية الحكاية يقول: «قبل عشرات السنين، وتحديداً في الخمسينيات كانت وجهتي نحو المرحوم "يوسف سنكري" الذي كان أحد أمهر وأقدم مصلحي "البوابير" حينها، أخذت منه كل خبرته وتجربته مع المهنة التي أحببتها كثيراً، قبل أن أبدأ معها، فـ"البابور" كان الأداة الوحيدة والمهمة للطبخ، للفقراء والأثرياء، لذلك سعادتي كانت كبيرة، عندما أقدم لأسرة "بابوراً" في جاهزية تامة، لأنه أهم أدوات المطبخ والمنزل.

المهنة التي يعمل فيها كانت سبباً، لتكون بيننا معرفة وعلاقة طيبة عمرها أكثر من 40 عاماً، بمجرد وصولي إلى مدينة "القامشلي"، لا بدّ لي من زيارة مكانه والاطمئنان على صحته، من دون أي سبب آخر، وكلما وصلت إليه أجد عدداً من كبار السن يجلسون بجانبه، فقد تكوّنت صداقة فيما بينهم وجمعتهم المهنة، لا يفكر في المال نهائياً، كثيرة هي المرات التي يقوم فيها بالتصليح من دون مقابل، عندما يكون بسيطاً، ومن يدعي عدم قدرته على الدفع مهما كان مبلغ التصليح كبيراً؛ يقبل ذلك بابتسامة ورحابة صدر. حالياً يوجد أكثر من شخص في هذه المهنة، لكن أغلب الذين يبحثون عن تصليح "البابور" يفضّلونه

عشر سنوات كانت كفيلة بتعلم المهنة كما هو مطلوب عند المرحوم "يوسف"، بعد ذلك توجهت إلى امتداد شارع "الحمام"، وضمن السوق لأسّس مركزاً صغيراً جداً، يستطيع ذلك المركز أن يستقبل كرسياً صغيراً أجلس عليه، ومساحة قليلة أخرى تستطيع أن تستقبل "بابوراً" واحداً فقط، ومنها انطلقت بتجربتي الخاصة في تصليح البوابير، منذ اليوم الأول لمباشرتي العمل، كان العشرات يتوافدون لتصليح "البوابير" الخاصة بمنزلهم، خاصة من أبناء الريف، تلك الزيارات اليومية كلها باتت علاقات اجتماعية عمرها عشرات السنين، وهي قائمة حتّى اليوم».

"حنو" أثناء العمل

ويضيف: «في الماضي البعيد كان الشخص همّه تصليح "البابور" مهما كان ثمن تصليحه، لأن الأنواع القديمة أصيلة ومتينة جداً، منهم من كان يدفع ثمن التصليح 200 ليرة سورية مقابل تبديل الرأس بالكامل، وتسعيرة الجديد لم تكن تتجاوز 25 ليرة سورية، أمّا بالنسبة لباقي الأمور الأخرى للتصليح فهي عبارة عن تغيير إبرة، أو تنظيف الأوساخ المتراكمة في الفوهة، وقد تكون النيران ضعيفة تؤثر بالأداة التي توضع على "البابور"، فتتم معالجة كل ذلك، ويفهم الخلل بمجرد تشغيل "البابور" أو تحريك "الممسكة"، فمن يملك الخبرة، ويحب هذه الصنعة، يتقن تصليحها وفهمها بسرعة كبيرة، اليوم ومع توافر كل وسائل وأدوات المطبخ الحديثة، الكثيرون يتمسكون بـ"البابور" لأكثر من سبب، منهم من يعدّها تراثاً وإرثاً، وآخرون يجدونها أكثر توفيراً لتوافر ورخص مادة الكاز. أمّا أبناء الريف، فالبرية تساعدهم كثيراً على تشغيله ضمن ساحات القرية الجرداء. ومنذ عملي بهذه الصنعة، وأنا أحافظ على الموعد الثابت الذي بدأت به منذ أول يوم عمل منذ الساعة السادسة صباحاً وحتى ساعات المغرب الأولى ضمن كل الظروف الجويّة، لأنني أعدّ المهنة جزءاً من حياتي، بل قطعة من جسدي».

أما الحاج "محمد الميعاد" من أبناء ريف "اليعربية"، فيتحدّث عن العلاقة التي تجمعه مع "موسى"، ويقول: «المهنة التي يعمل فيها كانت سبباً، لتكون بيننا معرفة وعلاقة طيبة عمرها أكثر من 40 عاماً، بمجرد وصولي إلى مدينة "القامشلي"، لا بدّ لي من زيارة مكانه والاطمئنان على صحته، من دون أي سبب آخر، وكلما وصلت إليه أجد عدداً من كبار السن يجلسون بجانبه، فقد تكوّنت صداقة فيما بينهم وجمعتهم المهنة، لا يفكر في المال نهائياً، كثيرة هي المرات التي يقوم فيها بالتصليح من دون مقابل، عندما يكون بسيطاً، ومن يدعي عدم قدرته على الدفع مهما كان مبلغ التصليح كبيراً؛ يقبل ذلك بابتسامة ورحابة صدر. حالياً يوجد أكثر من شخص في هذه المهنة، لكن أغلب الذين يبحثون عن تصليح "البابور" يفضّلونه».

تجمع الزبائن حوله