أيّام متعبة وقاسية في سبيل الوصول إلى تعليم مهنة فُرضت عليه، واضطر المتعلّم أن يتجاوز حدود الوطن ليكسب ثمن الآلة التي من خلالها سينشر "حياكة" السجاد.

مدوّنة وطن "eSyria" وبتاريخ 1 تشرين الثاني 2015، زارت شيخ الكار في صناعة السجاد "علي محمّد طاهر" في منزله بمدينة "القامشلي" للوقوف عند تلك الأيّام الطويلة التي رافقته من أجل إضفاء مهنة جديدة على المنطقة، والتعرف إلى جميع العناوين التي رافقت مرحلة تعليمه مهنة حياكة السجاد المنزلي، وانتشارها في منطقة "الجوادية" و"المالكية" وريفهما، وقد تحدّث عن البدايات: «كنتُ في العشرين من عمري حين دخلت القفص الذهبي، كان ذلك عام 1965، ولم أكن يومها أعمل في أي مهنة، وقد عرض عليّ أحد الأصدقاء من مدينة "القامشلي" شراء "الحيكيّة"، مقابل مبلغ 200 ليرة سورية، لكنني لم أكن أملك أي قرش سوري من المبلغ المطلوب، وأغلقت كل الطرق في وجهي، فقررت التوجه نحو العراق من أجل العمل وكسب ثمنها، كانت الحدود بين الدولتين مفتوحة بطريقة نظامية، وفيها حملة إعمار وبناء كبيرة، فتوجهتُ مع عدد من أصدقائي في سبيل ذلك، وكنت أحياناً كثيرة أواصل ساعات الليل بالنهار بالعمل والكد، حتى كسبت 240 ليرة سورية، وقررت العودة، وتوجهت على الفور إلى صاحب "الحيكية" واشتريتها وجلبتها إلى منطقتي، وكان لزاماً عليّ شراء الخيوط والحبال الخاصة بتلك المهنة، والأمر تطلب مبلغاً مالياً آخر، فتوجهتُ نحو سقاية الأرض الزراعية، وبعد ساعات السقي وباجتهاد ذاتي كنت أتعلم حياكة السجاد، وكثيرة هي المرّات التي أخطأت وتعذبت وتبعثرت أفكاري، لكنني شعرت بسعادة كبيرة، وأنا أجد الإقبال على رؤية العمل والحصول على سجادة منزلية من صنع يدي، فكان التحدي مضاعفاً من أجل المهنة، وبعد شهر كان الإتقان على الآلة، وتركت السقاية، وقمتُ بتأمين كل ما يلزم لعملي».

أنا من قرى "الجوادية" ولهذا الرجل فضل كبير في انتشار السجاد المحلي الصنع في منطقتنا، وخلال إتقانه التعليم على تلك الآلة، قام بتعيلم أكثر من شخص من دون مقابل، وتواصلنا معه لسنوات طويلة لشراء السجاد، حتّى عندما كان يعمل في "القامشلي"، أما اليوم فلم تبق لنا معه إلا العلاقة والزيارة الاجتماعية التي بنيناها معه خلال مدة عمله

أمّا طبيعة العمل على "الحيكية" فيتحدّث عنها قائلاً: «عندما اشتريت "الحيكية" وضعتها في غرفتي الوحيدة، وكانت عبارة عن 4 أمتار، وهي مخصصة للنوم والطبخ والشرب، ووضعت "الحيكية" في تلك الغرفة لتصبح للعمل أيضاً، فالآلة الخشبية عبارة عن أخشاب تتعانق بعضها مع بعض، وفي الأسفل سدّة تضغط بالقدم، أمّا في الواجهة فنضع 180 خيطاً متلازماً، تتشابك وتؤخذ يميناً وشمالاً، وكتلة الخيط تكون خلف ظهري، وأسحب جزءاً من الخيط بين الحين والآخر، بينما اليدان والقدمان تعملان معاً، وكنت أستغرق في إنجاز سجادة واحدة يوماً كاملاً، والمرأة كانت تجلب الخيط وأقوم بوزن ما جلبته، وأتقاضى الأجرة على سعر الكيلوغرام، فقبل خمسين عاماً كان سعر الكيلوغرام الواحد ليرة واحدة، أمّا تركي العمل فقد حصل قبل عشر سنوات لعدم الرغبة والإقبال على تلك الأنواع من السجاد، التي باتت تراثية فقط، فهناك الآن سجادات فخمة للغاية في الأسواق، لكن لدي شوق كبير للعودة إلى العمل مجدداً، والتواصل مع الآلة التي أحببتها».

الغرفة التي عمل فيها لسنوات طويلة

الحاج "صالح الحاج محمود" يتحدث عن تلك المهنة وصاحبها قائلاً: «أنا من قرى "الجوادية" ولهذا الرجل فضل كبير في انتشار السجاد المحلي الصنع في منطقتنا، وخلال إتقانه التعليم على تلك الآلة، قام بتعيلم أكثر من شخص من دون مقابل، وتواصلنا معه لسنوات طويلة لشراء السجاد، حتّى عندما كان يعمل في "القامشلي"، أما اليوم فلم تبق لنا معه إلا العلاقة والزيارة الاجتماعية التي بنيناها معه خلال مدة عمله».

وأضاف العامل "محمد حاج عارف" أحد الذين واكبوا لسنوات طويلة عمر الحرفي "علي طاهر" أكد: «كان وجودي معه لساعات طويلة خطوة مهمة في معرفة طقوس وعناوين العمل، وهي أن ألوان كثيرة من الخيوط كانت تتشابك مع بعضها من أجل صناعة السجاد، ونادراً ما كانت السجادة بلون واحد، فطبيعة منطقتنا كانت ترغب بالحصول على أي مادة بألوان متعددة، وحتّى الطول بأحجام مختلفة حسب الرغبة، ولم تتجاوز الأمتار الأربعة، ولا تقل عن المتر ونصف المتر، والعرض كان بحدود 40سم، وعندما تخلى السيد "طاهر" عن صناعة تلك الأنواع من السجاد، واعتزل العمل كان خسارة كبيرة».

آلة "الحيكية" يتواصل معها دوما للحنين
من صناعة السجاد المحلي