ما من مسرحي في "الحسكة" لا يعرف اسمه، خاض غمار الحركة المسرحية بخطوات محفوفة بالجهد والتعب والفقر، لكنه أبى إلا أن يظهر فنه للعلن، ويفتح طريقاً للمسرح الحسكاوي إلى بقية المحافظات.

هو الفنان "عصام المانع" الذي زارته مدونة وطن "eSyria" في منزله بتاريخ 31 كانون الثاني 2015؛ ليروي لها جوانب من مسيرته الفنية فقال: «بدأت مبكراً مع المسرح عندما كنت في السابعة من العمر، كانت الحياة المسرحية آنذاك مزدهرة؛ ولا تكاد تخلو مدرسة من فرقة مسرحية، لذا كان التنافس على أشده، ولعب اتحاد الطلبة دوراً بارزاً في تفعيل الحراك المسرحي، فكان يقيم مسابقاتٍ تجمع الفرق المسرحية من جميع المدارس، وفق برامج وعروض متنوعة؛ يتم على أساسها اختيار الفرق الأفضل، وشجعني على السير في هذا الطريق حبي للسينما، فكنت كلما رأيت طفلاً يقوم بدورٍ ما تمنيت أن أكون مكانه، وفي أول مرة أمارس فيها هوايتي أسند إلى أربعة أدوار مختلفة في تمثيلياتٍ قصيرة، أذكر ثلاثاً منها وهي: "أريد زوجاً، والفدائي الصغير، وحلاق القرية"، وتابعت العمل مع الفرق المسرحية دون توقف، فكانت لنا العديد من المشاركات داخل وخارج المحافظة».

يعد الأستاذ "عصام" من أهم المؤسسين للمسرح في المحافظة، وهو أول من ترك انطباعاً في العاصمة وبقية المحافظات أن في "الحسكة" مسرحاً متطوراً، وأنه يضم وجوهاً بارزة من الممثلين المسرحيين، وقد قدم العديد من الأعمال المسرحية التي تركت أثراً لا ينسى على المشهد الوطني، ورسمت خطاً واضحاً في الحالة المسرحية اقتفاه الكثيرون، ويرجع إليه الفضل في صعود أغلب الممثلين على خشبة المسرح؛ الذين تحولوا فيما بعد إلى الإخراج وقدموا الكثير، ومهما حاولنا أن نصف هذا الرجل نجد أنفسنا مقصرين أمام عطاءاته، وقد حاولت في كتابي "المسرح في الحسكة"؛ أن أسلط الضوء على تجربته المتميزة، وأتمنى أن أكون أوفيته بعض حقه

يتابع: «نفذت خلال مسيرتي 25 عملاً مسرحياً كان أغلبها من تأليفي وإخراجي وتمثيلي، ثم شاركت مع فرقتي في مسابقة الهواة؛ التي كانت تقام في "دمشق" ثم تحول مكان إقامتها إلى "حلب"، وفي الدورة الأولى شاركنا ولفتنا انتباه الجمهور والمراقبين، إلا أننا لم نحصد أياً من الجوائز، لكن هذا لم يثننا فشاركنا في الدورة الثانية، بمسرحية "رأس المملوك جابر"، وقد حقق العرض نجاحاً كبيراً، وحصدنا المركز الثاني في المسابقة، فتساءل القائمون عن سر قوتنا وعمن يمولنا، فخجلت أن أقول لهم الحقيقة، إننا لا نلقى أي دعم أو حتى تشجيع، بل كانت مبادرات فردية، وكنا ننفق على أعمالنا من مصروفنا الشخصي، لكن مع إلحاح أحد الصحفيين علي اضطررت أن أبوح بالحقيقة، فقلت له نحن ننتظر حتى تغيب الشمس وتأوي الناس إلى المنازل؛ فنخرج على ضفاف نهر "الخابور" ونتدرب، فلم يكن أمامنا خيارات أخرى، ومع ذلك فقد حزت العديد من الجوائز عن أعمالي ومنهم: "الزير سالم، والبيدر، والطريق إلى كوجو"، وفي عام 1972–1973 أصبحت مديراً للمسرح المدرسي، فكنت أكتب النصوص التي تلائم كل صف، ثم أوزعها على التلاميذ وأنتقي الموهوبين منهم، بعد ذلك كتبت عدداً من اللوحات القصيرة الساخرة؛ التي لاقت استحسان المتابعين، وكان من هذه الأعمال "دزينة أبر، والمضحك المبكي"، ثم أنشأنا المسرح الجوال الذي طاف أنحاء المحافظة».

إسماعيل خلف

يضيف: «أكثر ما يحز في نفسي أنني لم أكن أحتفظ بالنصوص التي أكتبها، كما لم أحتفظ بالتسجيلات الصوتية ووقتها لم تكن كاميرات الفيديو منتشرة، لذلك ضاع كل نتاجي القديم لأنني كنت أطمح أن أقدم الأفضل، وكنت أقول لنفسي إن هذه النصوص ستكون نقطة انطلاق لما هو أوسع، إلا أن المرض أقعدني فلم أعد أقدر على العمل، وفي عام 1982 تركت العمل في المسرح وبدأت أتنقل مع عائلتي في المحافظات؛ وأتابع الحراك المسرحي في كل مكان تحط فيه رحالي، ثم سافرت إلى "المملكة العربية السعودية"، بعدها عدت إلى "دير الزور" ثم إلى "الحسكة"، فلفت انتباهي ما وصل إليه الفن المسرحي في محافظة "الحسكة"، إذ لا يمكن للمراقب أن يقيمه على مستوى محافظة بل مستوى كامل القطر، ومن أهم من عمل على الارتقاء بالواقع المسرحي؛ الكاتب والمخرج المسرحي "إسماعيل خلف"، الذي أعطى للحركة المسرحية دفعةً كبيرة، لكن للنهوض بالمسرح بالوجه الأمثل حسب اعتقادي؛ يجب أن يؤسس معهد مسرحي في المحافظة أسوة بالمعاهد الأخرى، لكي يقوم بتخريج المعلمين والمدربين المتخصصين، وتوزيعهم على المدارس، ويجب تفريغ مدرس في كل مدرسة يعنى بالأمور المسرحية، فأهمية المسرح لا تكمن في التسلية والترويح عن النفس فقط، بل تتعداها إلى تعليم الأطفال على الجرأة والفصاحة وتكون داعماً للدروس التربوية».

من جهته قال المخرج والمؤلف "إسماعيل خلف": «يعد الأستاذ "عصام" من أهم المؤسسين للمسرح في المحافظة، وهو أول من ترك انطباعاً في العاصمة وبقية المحافظات أن في "الحسكة" مسرحاً متطوراً، وأنه يضم وجوهاً بارزة من الممثلين المسرحيين، وقد قدم العديد من الأعمال المسرحية التي تركت أثراً لا ينسى على المشهد الوطني، ورسمت خطاً واضحاً في الحالة المسرحية اقتفاه الكثيرون، ويرجع إليه الفضل في صعود أغلب الممثلين على خشبة المسرح؛ الذين تحولوا فيما بعد إلى الإخراج وقدموا الكثير، ومهما حاولنا أن نصف هذا الرجل نجد أنفسنا مقصرين أمام عطاءاته، وقد حاولت في كتابي "المسرح في الحسكة"؛ أن أسلط الضوء على تجربته المتميزة، وأتمنى أن أكون أوفيته بعض حقه».

فراس الراشد

بدوره بيّن المخرج المسرحي "فراس الراشد": «"المانع" هو من صناع المسرح في المحافظة، فحسه الإنساني وحبه للناس جعل منه شخصاً مقبولاً عند الجميع، فلم يكن يعتمد على طرائق عادية لكسب محبة الناس وقلوبهم، بل كان شخصاً مضيافاً ومحباً للجميع، كما كان بيته مفتوح لجميع الفنانين والهواة، وعلى الرغم من أنه لم يكن في وضع اقتصادي جيد، إلا أنه كان ينفق من جيبه ليساهم في خلق الحالة المسرحية، وقد ساهم في إبراز العديد من الوجوه المسرحية، لأنه يتعامل بفكرٍ أكاديمي ومتزن، حتى إنه لم يكن يجلس مع الحضور طوال فترة العرض، بل كان يتنقل ويقف مع الممثلين في الكواليس ليعطيهم جرعاتٍ معنوية، ومع كل ما قدمه للمسرح إلا أنه لم يجنِ ثمرة تعبه، إلا أن تكريمه الأخير كان عبارة عما يكنه له أهل الفن من محبة وتقدير».

بقي أن نذكر أن "المانع" من مواليد 1949، محافظة "دير الزور"، لكنه عاش حياته كلها في محافظة "الحسكة".