امرأة لها في الحياة الكثير من الجد والتعب، وسطّرت لنفسها أروع القصص في التضحية والمثابرة بالعمل؛ لتكون بارقة أمل لواقع كله ألم لكل من حولها.

مدوّنة وطن "eSyria" وبتاريخ 6 تشرين الثاني 2014، وخلال زيارتها منزل الخياطة "خديجة محمود" وجدنا عناوين في غاية الأهميّة لديها، وأهمها أنها نموذج فريد من نوعه في مدينة "القامشلي"، فهي التي فقدت أجزاءً من جسدها وهي في السنوات الأولى من عمرها، وهي التي لم تذق نعمة التلذذ برؤية الوالد، ولم تجد بجانبها إلا والدة استحقت لقب الأمومة، ولكنها ومع تلك الآهات الحزينة للقارئ والمتمعن، رسمت لاسمها بين أفراد المجتمع كل الاحترام والتقدير لأنّها جديرة بذلك، وتسرد عن حكايتها منذ الولادة وحتّى اليوم، فتقول: «ولدت في الحياة فوجدت نفسي يتيمة الأب، وشقيقة لأربع بنات، ومن حولي والدة لم تقصر معي أبداً، وتقديساً لتعبها وكفاحها معي حتى العام الماضي عند وفاتها أذكر اسمها الثلاثي.

ذوو الاحتياجات الخاصة جزء وجزء مهم في المجتمع، ولديهم من الإمكانات والطاقات الشيء الكبير ولذلك يجب الاستفادة منها، وهذه مشيئة الله وهديته لنا، وبالأمل والعمل نحقق المعجزات، ويبقى الإنسان إنساناً سواء أكان معاقاً أم سليماً

كان عمري 12 عاماً وكنتُ أستعد للذهاب إلى الصف السابع، وقبيل يومين قمت بتفصيل لباس المدرسة عند الخياط، وفي نفس اليوم تعرضت لمرض شديد أكد الأطباء أنه التهاب في النخاع الشوكي وكان الشلل والعجز عن الحركة نهائياً، كان ذهول الصدمة كبيراً؛ فلباس المدرسة جاهز وما حولي مادياً صعب للغاية، ومع ذلك وخلال خمس سنوات كلها بحث عن أطباء المنطقة والمحافظات كلهم، ولكن المصاب والألم كانا أكبر من العلاج، فكان القرار بالبحث عن لغة وتعامل جديد مع المجتمع، ولا بدّ لي من العمل والمثابرة في سبيل أيامي الصعبة القادمة، فكان طلبي من أختي أن تعلمني مهنة الخياطة وكانت مهنة محببة لي كثيراً، وبسرعة كبيرة وباهتمام شديد تعلمت ما كنتُ بحاجته لأقوم بإعالة نفسي ووالدتي، وباشرت العمل في مهنة الخياطة».

لا تجد أمامها سوى الخياطة ويومياً

وتتابع عن سيرتها ومسيرتها في الحياة من خلال حديثها التالي: «قبل المتابعة في تفاصيل حياتي وعملي أحب أن أقول إن لباس مدرستي الذي جهزته للصف السابع مازلتُ محتفظةً به حتّى اليوم، لأن أصعب شيء قُدّر علي هو ألّا أتابع مسيرة العلم والتعلم، ولكن ليعلم الجميع أن ذوي الاحتياجات الخاصة يستطيعون العمل في كل مجالات الحياة، فأنا ومنذ عشرين عاماً في مهنة الخياطة، وكان عمري 17 عاماً وأنا أستقبل الزبائن وأقوم بتفصيل وتصميم وخياطة كل أنواع الأزياء، حتّى اللباس الفلكلوري أجيد خياطته وهو أصعب أنواع الخياطة، ومن عملي وجدي استطعتُ شراء منزل خاص لي ولوالدتي وكنتُ أعيش معها بكل حب وسعادة حتّى العام الماضي عندما انتقلت للآخرة، وبقيت وحيدة في هذا المنزل مع آلة الخياطة وعملي الذي لا أتركه لحظة واحدة، رغم أنني لا أستطيع الحركة نهائياً وحتّى الكرسي الخاص بي لا يساعدني، فأنا أعد الطعام والشراب وأستقبل الزوّار والزبائن بمشقّة كبيرة، ولكن أنا في قمّة السعادة لأنني أعيش من تعبي وجهدي».

والسيدة "خديجة" تنثر كلمات لها من القوة والكبرياء الكثير، وهي تقول: «ذوو الاحتياجات الخاصة جزء وجزء مهم في المجتمع، ولديهم من الإمكانات والطاقات الشيء الكبير ولذلك يجب الاستفادة منها، وهذه مشيئة الله وهديته لنا، وبالأمل والعمل نحقق المعجزات، ويبقى الإنسان إنساناً سواء أكان معاقاً أم سليماً».

اللباس الفلكلوري مهمة السيدة خديجة

السيّدة "صفاء مرعي" من اللواتي يذهبن دائماً لمنزل السيّدة "خديجة"، تحدّثت عنها قائلةً: «ليس لها مثيل في المنطقة سواء بالمعاناة أو الظروف الصعبة المحيطة بها، أو من خلال كفاحها ونضالها في سبيل لقمة عيشها، وحتّى في مجال عملها هي مبدعة في التصميم والخياطة، ولديها من الزبائن الكثير والكثير، ودائماً منزلها يحتوي على العشرات من النسوة اللواتي يتواصلن معها من أجل الخياطة، علماً أنها اسم يقتدى به في المدينة والمنطقة، فالكثيرون يتحدثون عنها في مجالسهم الخاصة والعامة وعن تفانيها في سبيل أن ترسم لنفسها عالماً جميلاً مهما كانت الظروف صعبةً، والآن ومع كل شيء تعطي الثقة والتفاؤل لكل من حولها».