هو الآن في استراحة المحارب بعد ما أبلاه في معركة التعليم، فما قدمه للمحافظة خصوصاً وللمنطقة الشرقية عموماً؛ ينبغي أن يأخذ عليه قسطاً من الراحة، ولو كان هذا لا يرضي محبيه.
مدونة وطن "eSyria" التقت الدكتور "جاك حنين مارديني" رئيس جامعة "الفرات" الأسبق ومؤسسها بتاريخ 11 آب 2014، ليروي لنا قصص نجاحاته المتتالية ويقول: «أنا من مواليد 1962 لم أخلق وفي فمي ملعقةٌ من ذهب، بل كنت ابناً لأسرةٍ فقيرة، كان والدي معلماً محباً للعلم ووالدتي ربةُ منزل، درست في مدرسة "التطبيقات المدرسية" البعيدة عن منزلي في المرحلة الابتدائية، نزولاً عند رغبة والدي لاعتقاده أنها الأفضل والأكثر جدية في التعليم، وكنت أعاني البرد الشديد في طريق الذهاب والإياب، علماً أنني أسكن بجانب مدرسة "الغسانية"، انتقلت بعدها إلى مدرسة "البُحتري" لدراسة المرحلة الإعدادية، فكوّنت علاقات جديدة وتوسعت لدي دائرة المعارف، وكانت هذه من الأمور الإيجابية في حياتي، وفي الثانوية درست في "أبي ذر الغفاري" والتقيت زملائي من المدارس السابقة، ومن أجمل ما ميّز تلك المرحلة هو التنافس الإيجابي، فقد كانت النتائج النهائية تعكس الواقع الحقيقي للدراسة، وعليه فقد كانت نسبة المفاجآت ضعيفة».
خلال فترة الجامعة وتنوع الصداقات واتساع المعرفة وكثرة الاختلاط، بدأ حلم الدراسات العليا يراودني، فقررت في نفسي أن أبذل ما بوسعي لأحظى بهذه الفرصة، عدت إلى مدينتي وعملت مع شركة "الإسكان العسكري" بصفة مؤقتة إلى أن صدر قرار تعييني في شركة الري "ساريكو"، وكنت أقرأ الصحف يومياً بحثاً عن مسابقة للمعيدين، وخلال فترة عملي تقدمت لإحدى المسابقات التي أقيمت، ثم التحقت بخدمة العلم في الشهر السادس من عام 1986، وفي الشهر الحادي عشر من نفس العام تم قبولي في المسابقة وإيفادي إلى "روسيا" وإيقاف خدمة العلم
يتابع: «لقد كنت أطمح لأن أدرس الهندسة المدنية منذ المرحلة الإعدادية، حتى إنني عملت في نجارة البيتون في فترة العطلة الصيفية، لأكون على تماس مع طموحي وعلى مقربة من هذا العلم، وقد عملت مع أسرتي في العديد من الأعمال اليدوية التي كانت تدر دخلاً إضافياً، فلم أكن أخجل من العمل بل أعتبره الركيزة الأساسية لعالم الأعمال، وعلى الرغم من انشغالي بالعمل لم أهمل هواياتي، فقد أسست لفريق "الفردوس" لكرة القدم، لكن في الصف الثالث الثانوي وضعت كل شيء وراء ظهري وجعلت طلب العلم وأمنيتي في دراسة الهندسة نصب عيني، وفعلاً حققت طموحي وكان شعوري وأنا أدخل من باب الكلية في "حلب" للمرة الأولى لا يوصف، فصعوبة الابتعاد عن الأهل وضرورة تكريس كل إمكانياتي لكي أنجح وأحقق ذاتي لم تكن بالأمر السهل، لكنني فعلتها وبجدارة إذ تخرّجت في كلية الهندسة المدنية عام 1985 بمعدل 68.03».
لم يكن النجاح نهاية المطاف بل لاح شعاع الدراسات العليا في الأفق بحسب الدكتور "مارديني": «خلال فترة الجامعة وتنوع الصداقات واتساع المعرفة وكثرة الاختلاط، بدأ حلم الدراسات العليا يراودني، فقررت في نفسي أن أبذل ما بوسعي لأحظى بهذه الفرصة، عدت إلى مدينتي وعملت مع شركة "الإسكان العسكري" بصفة مؤقتة إلى أن صدر قرار تعييني في شركة الري "ساريكو"، وكنت أقرأ الصحف يومياً بحثاً عن مسابقة للمعيدين، وخلال فترة عملي تقدمت لإحدى المسابقات التي أقيمت، ثم التحقت بخدمة العلم في الشهر السادس من عام 1986، وفي الشهر الحادي عشر من نفس العام تم قبولي في المسابقة وإيفادي إلى "روسيا" وإيقاف خدمة العلم».
27-10-1987 في روسيا.. يقول: «هذا التاريخ يعد انعطافةٌ تاريخية في حياتي العلمية والشخصية على حدٍ سواء، وبدأ الحلم يتحقق وأخذت النظرة إلى الحياة تزداد شمولية وتتضح، انبهرت بما شاهدته أمامي من حضارةٍ وحيوية ونظم للحياة، والتحقت بمعهد الري واستصلاح الأراضي في "موسكو"، ثم أصبحت رئيساً للهيئة الإدارية، ثم رئيساً لهيئة "موسكو" للاتحاد الوطني لـ"طلبة سورية" منذ عام 1989 ولغاية 1990، وبعد عودتي إلى الوطن عملت في جامعة "حلب" عضواً في الهيئة التدريسية في كلية الهندسة المدنية، كان ينتابني ألمٌ شديد ولم يفارقني بسبب إحساسي ببعد التعليم العالي عن المنطقة الشرقية، على الرغم من أهمية هذه المنطقة على مختلف الصعد، فبدأت بعدد من المداخلات مع المعنيين في مجال التعليم العالي، وقدمت مذكرةً بهذا الخصوص بعد زيارةٍ قمت بها بتكليفٍ من رئيس جامعة "حلب"، بيّنت في المذكرة إمكانية افتتاح عدد من الكليات في محافظة "الحسكة"، ووجود نواة لهذه الكليات متمثلة في أبنية الصف الخاص ومعهد المراقبين الفنيين والسكن الجامعي، في عام 2006 صدر قانون يقضي بإحداث "جامعة الفرات"، وعُيّنت نائباً لرئيس الجامعة للشؤون الإدارية والطلاب، وهنا بدأ المشوار».
مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة، كما يؤكد الدكتور "مارديني"، ويقول: «في الفترة التي كنت نائباً لرئيس الجامعة أحدثت عدداً من الكليات في مدينة "الحسكة"، وهي: كلية الهندسة المدنية، وكلية العلوم، وكلية الاقتصاد، إلى جانب قسم رياض الأطفال، وبرنامج الدراسات المالية والقانونية - تعليم مفتوح، وبعد أن توليت رئاسة الجامعة أحدثت كلية طب الأسنان، وقسم اللغة الفرنسية، وقسم الآثار، وقسم علوم الأحياء، وبرنامج دراسات مالية ومصرفية في كلية الاقتصاد - تعليم مفتوح، وبرنامج معلم صف للمعلمين الوكلاء - تعليم مفتوح، وبرنامج معلم صف، وكنت أعمل خلال هذه الفترة ضمن استراتيجيات علمية ومنهجية، وهي بناء القدرات البشرية وتعيين كوادر إدارية متخصصة من معيدين وقائمين بالأعمال وأعضاء هيئة تدريسية، وتشييد أبنية دائمة للكليات والجامعة، وإقامة الندوات والمؤتمرات التي من شأنها تنمية المنطقة الشرقية من خلال المساهمة في إيجاد الحلول تحت شعار "ربط الجامعة بالمجتمع"، وتوقيع اتفاقيات علمية بين جامعة "الفرات" والجامعات العربية والعالمية والمنظمات الدولية، ويمكنني القول إن أجمل لحظة عشتها في حياتي؛ كانت مع "أسبوع العلم الخمسين" الذي أقيم في جامعة "الفرات"، عام 2010».
يختم حديثه: «إن أكثر ما كان يؤرقني هو العناء الذي يتكبّده أبناء المحافظة وأسرهم في الانتقال إلى المحافظات الأخرى طلباً للعلم، إضافةً إلى امتناع الفتيات عن إكمال الدراسة نزولاً عند رغبة الأهل، إما لأسباب اجتماعية أو لأسباب مادية؛ وهذه الأسباب محقة من وجهة نظري، إلا أن هذا الألم تلاشى وانتهى بل وانقلب إلى سعادة غامرة؛ تنتابني صباح كل يومٍ وأنا أشاهد آلاف الطلاب والطالبات من "الحسكة" والمحافظات الأخرى يرتادون الكليات والأقسام المختلفة في الجامعة، وما لهذا المشهد من انعكاسات إيجابية مختلفة على الواقع اليومي في المحافظة، خصوصاً بعد أن شهدت المحافظة تخرج دفعات من أبنائها، وتكمن أهمية الجامعة في رفد المجتمع بقطاعاته المختلفة، بكوادر علمية وفنية متخصصة تساهم في تنمية هذه المحافظة التي آثرت المحافظات الأخرى على نفسها، وأتساءل لو أن المحافظة خُصت بجامعة منذ عقود فيكف كان الوضع اليوم؟ كما أتمنى أن يرفع المسؤولون أيديهم عن الجامعة لتكون صاحبة القرار في رسم المستقبل».
من جهته رئيس شعبة جامعة "الفرات" الثانية لنقابة المعلمين "مهند خليل" يقول: «يعتبر الدكتور "جاك مارديني" من الشخصيات التوافقية والذكية، حيث يقف من جميع الأشخاص والأحداث على مسافة واحدة، وهذا الأمر عزز ثقة الجميع به ورفع رصيده بين أهل المحافظة خصوصاً من يتعامل معه ويعرفه عن قرب، على الرغم من أنه إنسان يسير في خط واحد ولا يحتاج المرء للبحث في شخصيته إذ إنه شديد الوضوح، وقد كانت له بصمة كبيرة ومؤثرة ضمن محافظة "الحسكة" خصوصاً ومنطقة "الجزيرة" بالعموم، فالكل يعلم الجهد الذي بذله لافتتاح الجامعة ولتصبح على ما هي عليه، ومن المعروف أن الشخص الذي يترك منصباً ما تتناقص شعبيته إلا هذا الرجل أثبت عدم صحة هذه النظرية، فما زالت دائرة علاقاته تتسع لأنه ولهذا التاريخ يعتبر نفسه معنياً بها، وقد قام مجلس فرع نقابة المعلمين بجامعة "الفرات" بتكريمه بتاريخ 5 أيار 2014؛ أي بعد أن ترك منصبه بفترة غير قليلة، وذلك لما تركه من أثر طيب عند جميع العاملين في الجامعة، وتكريماً لجهوده العلمية المبذولة ومساهماته في النقلة العلمية النوعية، وعلاقاته المميزة مع المنظمات العاملة في جامعة الفرات».
يذكر أن الدكتور "جاك مارديني" يحمل دكتوراه في "المنشآت المائية" من معهد "الري واستصلاح الأراضي" في "موسكو" 1992، وشغل منصب رئيس جامعة "الفرات" بين عامي 2010 – 2013، ولديه مؤلفات منها: "كتاب المنشآت المائية، وكتاب الهيدرولوجيا" لطلاب السنة الرابعة بالاشتراك مع الدكتور "عبد الرحمن عبد الرحمن"، إضافة إلى 7 أبحاث علمية متخصصة في صلب دراسته، قدم العديد من المحاضرات والندوات عن المياه والمعلوماتية، وكتب نحو سبعة مقالات علمية بين عامي 2001 و2009، كما خضع للعديد من دورات التدريب والتأهيل، ونفذ 13 مهمة علمية تنوعت بين البلدان العربية.