أعطى مساحة كبيرة من مسيرة حياته لنشر العلم والتعلم، ونثر المحبة والإخاء حوله بإنسانية وثقافة نادرتين، وكان "حنا مديوايه" محبوباً من كل من عرفه، وجعل للنضال والكفاح ضد المحتل والاستعمار مكاناً في حياته.

مدوّنة وطن "eSyria" وبتاريخ 26 حزيران 2014، وقفت عند عدد من مقربي المرحوم "حنّا مديوايه" للتعرف على سيرته التي فيها الكثير والعديد من الخصال والمواقف الطيبة، وكانت البداية مع نجله الكبير الكاتب "أنيس حنا مديوايه" وقد قلّب الصفحات الأولى عن مشواره، فقال عنها: «وُلد في "مادرين التركية" عام 1893، ومنذ صغره كان ميّالاً للغة العلم والحب والتسامح، فدرس اللغات العربية السريانية والإنكليزية بطلاقة، حتّى إنه مع مرور الوقت كان مدرّساً في المدارس لتلك اللغات المذكورة، وتابع دراسته حتّى حصل على شهادة الحقوق، وأثناء تلك الفترة بدأ الحراك الثوري والنضالي حول حقوق شعبه وأهله المغتصبة، وبسبب ذلك طرد ولوحق من قبل السلطات التركية، فاتجه صوب "لواء اسكندرون" عام 1919م، وفيها أيضاً تابع رحلة الكفاح السياسي والنضالي، وتزامن ذلك مع تعليم أبنائها جميع اللغات التي يتقنها، ومن شدّة إخلاصه وعمله في سبيل الدفاع عن القضايا رشحته الجبهة الوطنية العربية في "لواء اسكندرون" ليكون نائباً عنها، لكنه انسحب إثر تدخل السلطات الفرنسية وتزييف الانتخابات».

بادر إلى تأسيس حزب العصبة لمناهضة القوى السياسية التركية والفرنسية، فلاقى الكثير من القهر والتعذيب والملاحقات، فما كان منه إلا النزوح نحو "حلب" عام 1940م لأنه بات من أكثر المطلوبين للسلطات التركية، وفي "سورية" كانت تجمعه صداقة وطيدة مع الأستاذ "زكي الأرسوزي"، وهنا أيضاً أخذ عهداً على نفسه أن يتابع نهج العلم والمحبة والسلام، ولم يستقر مُطولاً في مدينة "حلب" واتجه صوب "القامشلي" وظلّ فيها حتّى الممات

مشواره لمدينة "حلب" كان تمهيداً للوصول إلى "القامشلي"، قال عن ذلك نجله: «بادر إلى تأسيس حزب العصبة لمناهضة القوى السياسية التركية والفرنسية، فلاقى الكثير من القهر والتعذيب والملاحقات، فما كان منه إلا النزوح نحو "حلب" عام 1940م لأنه بات من أكثر المطلوبين للسلطات التركية، وفي "سورية" كانت تجمعه صداقة وطيدة مع الأستاذ "زكي الأرسوزي"، وهنا أيضاً أخذ عهداً على نفسه أن يتابع نهج العلم والمحبة والسلام، ولم يستقر مُطولاً في مدينة "حلب" واتجه صوب "القامشلي" وظلّ فيها حتّى الممات».

الباحث جوزيف أنطي

الباحث التاريخي "جوزيف أنطي" نبّش في بعض صفحات حياته، وقال عنه: «منذ تأسيس مدينة "القامشلي" كان لا بدّ من وجود مدرسة في أحضانها، حيث كان أحد رموزها التي عملت وتركت أثراً طيباً لن يمحى من الذاكرة، وبعد أن رسم عنواناً وطنياً رائعاً لمسيرته، كلفته وزارة المعارف بإدارة أول مدرسة رسمية في "القامشلي" واستمر فيها 12 عاماً، بنى خلالها جيلاً تربوياً واجتماعياً رائعاً، كان يواصل ساعات الليل بالنهار من أجل تلك العناوين من خلال الأنشطة والفعاليات والزيارات الميدانية لجميع الجهات القادرة على نشر العلم والتعليم بالصورة المثالية، وما الروائي الكبير "حنّا مينة" إلا نموذج من ذلك، فالكاتب المذكور يذكر عن فضل "حنا مديوايه" عليه عندما ساعده في السجلات المدنية وصحح عمره الحقيقي، وكان سبباً مباشراً في وضع عناوين مستقبله، واعتبره مثالاً يقتدى به ومرشداً اجتماعياً، وهذا الكلام دونه وبالتفصيل "مينة" في إحدى رواياته، وكثيرة الأمثلة من هذا النهج والنموذج، وهو الذي ساهم مع بعض مخاتير المنطقة وبالتعاون والتنسيق مع وزارة المعارف بتأمين معلمين وفتح مدارس في ريف "القامشلي"».

ويتابع الباحث عن سيرة المرحوم "حنا مديوايه": «مواقفه الوطنية كثيرة وعديدة خاصة في المجال الفكري والتربوي، وكان ينشرها على الأجيال جهاراً نهاراً دون خوف أو رهبة، ولذلك كان ملاحقاً دائماً من قبل المحتل، مع نهاية عام 1953 أحيل إلى التقاعد، ولكنه تابع العمل في جميع مجالات الحياة وخاصة التعليمية والاجتماعية والتربوية، وكان يحظى باهتمام واحترام كل الألوان في المنطقة، وعندما فارق الحياة عام 1959م اشترك في تأبينه شخصيات سياسية وتربوية واجتماعية كثيرة جداً، وكانت من بين برقيات التعزية التي وصلت عائلته برقية من السيد "جمال عبد الناصر" وصفه بالمعلم الأوّل ومربي أجيال "القامشلي"، وكانت هناك برقية أخرى من وزير التربية حينها، ولذلك يعتبر رائداً كبيراً في نشر العلم والمعرفة بمنطقتنا كلها، وكان سبباً في فتح مدارس كثيرة بالمدينة والريف».

نجله الكاتب أنيس حنا مديوايه