لم يستطع إكمال دراسته بسبب الوضع المعيشي والمادي، لذلك ترك المدرسة واضطر للعمل في مهنة الحدادة على الرغم من تفوقه الدراسي، فلم يستطع الحصول إلا على أهلية التعليم الابتدائي ولكونه مخترعاً، فله مواهب متعددة أخرى فهو باحث تاريخي، وشاعر، وحداد.

موقع eHasakeh بتاريخ 8/11/2010 التقى المخترع والمرمم "صباح قاسم" ليحدثنا عن إبداعاته.

هو أحد الجنود المجهولين على الساحة الفنية والأدبية، هو الشاعر والحداد والمرمم والمخترع، فهو يطلعنا على المحاورة الجميلة الصادقة بينه وبين مهنته، لكن تختلف الرؤية والإحساس عند "صباح قاسم" إذ يرى فيها قمة الإبداع والشعرية في تعامله معها حتى يغازلها في أحاديث كثيرة، كذلك في مهنة الترميم

  • حياتك الفنية في مجال الترميم كيف بدأت؟
  • المرمم صباح قاسم أثناء ترميمه إحدى المواقع

    ** في بداية عام 1984بدأت العمل مع البعثة الأمريكية للآثار وطاقمها برئاسة البروفسور "جورجيو جيو بوجيلاتي" من جامعة "لوس أنجلوس"، كمعلم حداد لبعض الأعمال كالتصنيع والإصلاح لبعض المعدات التابعة للبعثة في "تل موزان" الأثري، وفي أوقات الفراغ كنت أساعد أحد المتخصصات في الترميم، وسرعان ما اكتشفا سرعة البديهة لدي وأنا أعمل في ترميم بعض الفخاريات المكسورة، من هنا بدأت العمل معهم في الترميم، حيث أوكل البروفسور "بوجيلاتي" مهمة الترميم لي في "تل موزان"، وكانت هذه القوة الدافعة لأمتهن الترميم بشكل جاد وعشق حقيقي، حيث تمكنت من ترميم القصر الملكي ومقر الإله السفلي فيها.

  • ماذا يعني لك الترميم... وماهيته؟
  • صباح قاسم يرمم قطعة أثرية

    ** الترميم هو فن جميل، وفيه المتعة بأن تعيد قطعة مهمشة ومكسرة استخلصت من قبضة التراب إلى ما كانت عليه في السابق، وفي النهاية الترميم يعني الإصلاح وإعادة الشكل على ما كان عليه في السابق.

  • ما أهم الأعمال التي قمت بترميمها؟
  • ** قمت بعمل الترميم في موقعين هامين الأول في "تل موزان"، وكما ذكرت آنفاً وذلك بترميم القصر الملكي ومقر الإله السفلي والمعبد الرئيسي، أما الموقع الآخر فكان في موقع "عيلام" بمحافظة "حمص" حيث رممت المدفن الملكي فيها كاملاً من الخارج والداخل.

  • ما المبتكرات التي حققتها في مجال الترميم طيلة هذه الأعوام؟
  • ** أحمد الله تعالى بأني استطعت أن أطور الكثير من الأشياء في عملية الترميم، وما زلت فقمت بإدخال مادة الليف الطبيعي عوضاً عن مادة التبن، واستخدمته في التشققات الموجودة في الجدران كونه متين وغير قابل للاهتراء، كما أدخلت أعواد الخيزران وقضبان البلوط لدعم الجدران المتشققة، التي أثبتت جدارتها في عمليات الترميم، كما استخدمت رقائق الرصاص لدك الصخور، بالإضافة إلى اكتشافي لخلطة طينية مركبة لأعمال الترميم ومواد لاصقة نباتية منها وحيوانية ومواد عازلة للرطوبة أيضاً.

  • أهم الاختراعات التي قمت بتصنيعها لتسهيل عملية الترميم؟
  • ** استطعت أن أخترع مثقب دوار محمول على ثلاثة أرجل قابل للمعايرة، وتعمل في كل الطبقات وبكل الدرجات، حيث تستطيع العمل به من نقطة الصفر إلى 180 درجة أفقي وإلى 180 درجة عامودي، كما عملت إيجاد طريقة لتنظيف الفسوخ في الجدران من بقايا الأتربة المتساقطة في الشرخ كي لا تسبب في انزياحه، وتسمى هذه الطريقة الضغوط الهوائية، كما اخترعت جهازاً لتجفيف الحقل الأثري المتعرض لمياه الأمطار بطريقة غاز الميتان، ويعمل بمعدل كل 2 ساعة لتجفيف ما يقارب 40 دونماً من الأراضي، أما الاختراع الكبير فهو قطار يعمل بالدفع الذاتي، الذي يقوم بمهمة نقل الأتربة من الأسفل إلى الأعلى ويعمل بمعدل كل 2 دقيقة بنقل ما يقارب 1 طن من التراب، هذا الاختراع أحدث ضجة كبيرة وهائلة في المجال الأثري، ونلت عليه براءة اختراع من "جامعة كاليفورنيا" في "لوس انجلوس".

  • ما مشاركاتك الفنية المحلية والعالمية؟
  • ** أقمت معرضاً للتراث شمل على أكثر من 200 مجسماً في محافظة "السويداء"، وتتحدث هذه المجسمات عن الأدوات القديمة المستخدمة في الجزيرة، كما شاركت في معرض السياحة الداخلية السورية في معرض دمشق الدولي، وكان لي جناح خاص في معرض الباسل للمخترعين السوريين.

  • بعيداً عن الترميم ماذا تقول عن مدينتك المعشوقة "عامودا"؟
  • ** أقول لها نحن أحياء التاريخ، لا تقلقي ولا تكوني مندهشاً، فالمكان "عامودا" امرأة المودة، الزمان تشرين المطر، التاريخ تسعمئة وستون بعد الألف، الشاهد.. أسماؤنا، وتواريخ ولادتنا، منقوشة على شواهد المقابر، نحن بقايا صور.. في كتاب الزمن.

    البروفسور "جورجيو جيو بوجيلاتي" عالم الآثار الأمريكي كتب عنه قائلاً: «سمعت الكثير من الأصوات الجديدة مفعمة بمعنى حيوي لم ألقنه ولكنني رضيت به وأذعنت له، استطعت التجول بين المنازل والمساجد والكنائس في كتاب يوميات صنعت كار أفندي، لا من أجل الوقوف على الأطلال، بل لاكتشاف تلك المقدرة والإبداع والمواكبة لتشكل المواد الخام، وقد قدر لي الإصغاء إلى الأصوات المسموعة والمقروءة أيضاً، وكان "صباح قاسم" هو الصوت الأسمى والأكثر رفعة بين هذه الأصوات».

    أما الفنان والنحات "سعيد محمد درويش" فيقول عن "صباح قاسم": «هو أحد الجنود المجهولين على الساحة الفنية والأدبية، هو الشاعر والحداد والمرمم والمخترع، فهو يطلعنا على المحاورة الجميلة الصادقة بينه وبين مهنته، لكن تختلف الرؤية والإحساس عند "صباح قاسم" إذ يرى فيها قمة الإبداع والشعرية في تعامله معها حتى يغازلها في أحاديث كثيرة، كذلك في مهنة الترميم».

    بقي أن نذكر أن "صباح قاسم" من مواليد "عامودا"، له مجموعتان شعريتان الأولى بعنوان "أمسيات في الذاكرة" والثانية "يوميات صنعت كار أفندي" بالإضافة إلى عدد من المخطوطات الشعرية والدراسات التاريخية، وعدة مقالات حول مملكة "أوركيش".

    والآن بصدد إعداد كتاب أكاديمي يتحدث عن كيفية تعلم ترميم الآثار.