هو من الرعيل الأول الذين لا تزال المحافظة تذكرهم، اكتسب صنعته على يد العديد من المعلمين، ولكنه أصبح في يومنا هذا مدرسة في الخياطة، أمضى ثلثي عمره في هذه الحرفة حتى أصبحت تجري في عروقه، وهو بدوره بادلها الوفاء حتى إنه لايزال يعمل حتى يومنا هذا بطقوس الخمسينيات.

الخياط "إبراهيم أنطون راهب" 1940م خياط الطبقة المخملية، التقاه موقع eHasakeh في محله المتواضع والذي تشعر حين تدخله أنك في زمن الطربوش حيث قال: «كانت بدايتي مع مهنة الخياطة منذ الصف السادس، فلم أكمل دراستي فقال لي والدي عليك بحرفة الخياطة فإنها وجاءٌ من الفقر، فنزلت عند خياط يدعى "العم يوسف" بقيت عنده لفترة من الزمن ثم انتقلت إلى الخياط "جوزيف نانو"، وهو الخياط الأشهر في سورية وقد يخيط اللباس للعديد من الرؤساء العرب، هنا بدت الصورة واضحة بالنسبة إلي حول الطبقة الاجتماعية التي يمكن أن يتعامل معها الخياط».

بعد أن أتقنت الحرفة كان معلمي يعطيني /21/ ليرة سورية على كل جاكيت أقوم بإنجازه، في حين كان يأخذ هو /75/ ليرة وإن دل هذا السعر على شيء فإنما الجهد الذي يبذله الخياط، فقد كنت أمضي ثلاثة أيام أعمل بشكل متواصل حتى أنهي قطعة واحدة، أما اليوم فيمكن إنجاز القطعة خلال ساعتين

يضيف "أنطون": «بقيت أعمل كصانع لمدة ثلاثة عشر عاماً حتى حملت لقب الخياط، ففي زماننا لم يكن هذا اللقب كلمة تقال بل كانت تخضع للعديد من الاختبارات، فأول ما يجب أن يتحلى به الخياط هو الصبر ولكن الأهم هو النظرة الفنية، هذه الصفات بدأت تتلاشى وبالتالي نلاحظ اليوم أن هذه الحرفة أيضاً بدأت بالانحسار، ولكن اليوم لا يستغرق الخياط أكثر من عامين حتى يحمل هذا اللقب، إلا أن الفرق الوحيد بين جيلنا وهذا الجيل هو أن خبرتنا كانت تقاس بمدى إتقاننا للجاكيت، أما الجيل الجديد فيكفي أن يجلس خلف الماكينة ويتمكن من قص البنطال، ومع هذا نحن نعاني من ندرة الراغبين في تعلم هذه الحرفة».

أتثناء عملية التفصيل

يتابع السيد "ابراهيم": «بعد أن أتقنت الحرفة كان معلمي يعطيني /21/ ليرة سورية على كل جاكيت أقوم بإنجازه، في حين كان يأخذ هو /75/ ليرة وإن دل هذا السعر على شيء فإنما الجهد الذي يبذله الخياط، فقد كنت أمضي ثلاثة أيام أعمل بشكل متواصل حتى أنهي قطعة واحدة، أما اليوم فيمكن إنجاز القطعة خلال ساعتين».

أما عن تمسكه بماكينته القديمة ومكواته الثقيلة يقول: «نحن نعتمد على الآلة بشكل قليل فعملي كله يدوي، ولهذا تجد الآلة تقف تقريباً موقف المتفرج فكل عملها هو بضعة درزات فقط، والسبب الأهم لتمسكي بهذه العجوز هي العشرة الطويلة، فقد تعودنا على بعض ولا يمكنني أن أجلس خلف الماكينة الحديثة بسبب سرعتها، أما المكواة فلا يمكن للمكاوي الحديثة أن تعطي ولو حتى ربع ما تعطيه هذه المكواة، فعلاوة على ثقل وزنها إلا أنها توفر حرارة كبيرة يمكن أن تحرق القماش بمجرد لمسه لذلك فهي بحاجة إلى معرفة ودراية».

يقضي يومه مع الإبرة

أما عن سهرات أيام زمان فيقول: «كانت الحياة في السابق جميلة وذات طابع رائع، فأنا بحكم عملي كنت أسهر في العمل حتى الصباح في أيام الأعياد، ولكن ما كان يخفف تعبي هم الأصدقاء، فقد كانوا يتجمعون عندي في كل ليلة ويحضر كل واحد منا العشاء في دوره، وبعدها أبقى أعمل وهم يسامروني ويساعدوني في بعض الأحيان حتى يأتي يوم العيد، أما اليوم فقد تغيرت العادة فالكل منهمك بعمله وقد انقرضت سهرات العمل تلك فدخول المصانع على الحياة اليومية جعل الطلب على الحرفة اليدوية قليلاً».

الخياط "سعيد محمود عبد الله" يقول: « الخياط "إبراهيم" هو رجل يتمتع بحسٍ فني قبل المهني، ويصر هذا الجيل على التمسك بموروثه القديم، وهذا الشيء لا يمكن وصفه بالخاطئ بل يمكن تسميته المتعب، فالعمل على مدى يوم كامل بالإبرة يحتاج إلى عزيمة وصبر ليس لهما حدود، ولكن يبقى إنتاج هؤلاء الأشخاص يتميز بالأصالة، وما زال إنتاجهم له نكهته الخاصة، فقد ساهم هذا الجيل بنقل هذه الحرفة من سلفهم إلى خلفهم بأمانة ومصداقية، ولهذا تراهم يداومون على العمل بالآلات القديمة التي ورثوها عن معلميهم، فهم يقولون نحن هكذا ورثناها وهكذا سنسلمها، فإذا أردتم التغيير فالأمر بيدكم، وفي الختام يمكن القول إن مثل هذه الخبرات لن تتكرر ثانية، والسبب يعود إلى تغير الحياة بكل نواحيها فالتقنية لم تترك شيئاً إلا وأدخلته، وبالتأكيد لن تكون حرفة الخياطة حصينة عليها، ولكن المسأله كلها عبارة عن وقت».

بمكواته الهرمة يجلس القماش