وظّف إمكاناته الجسدية والمادية وعلاقاته الشخصية في بلاد الاغتراب، لمساعدة السوريين الذين يعدّهم جميعاً أهله، حيث يجد سعادته بابتسامة طفل وبهجة كبير السن.

مدوّنةُ وطن "eSyria" بتاريخ 26 كانون الأول 2019 تواصلت مع الصيدلي "نصر الدين محمد رمضان" في مكان إقامته بـ"اليونان" للتعرف على جميل أفعاله مع السوريين في المغترب، وقال: «حياتي كحياة أي شاب يحبّ العلم في مدينتي "القامشلي"، كنت مواظباً عليها ووجدت تحفيزاً ودعماً من الوالدين، مع ممارسة هوايتي في لعب كرة القدم، واللعب مع فرق شعبية بالمدينة، وبعد نيل الشهادة الثانوية عام 1981 توجهت إلى "بلغاريا" لدراسة هندسة الميكانيك، وبعد عام من دراسة الهندسة تركتها وتوجهتُ إلى "اليونان" لدراسة كلية الصيدلة، كان بداخلي ومنذ وجودي بمدينتي بذرة المساعدة والخير، وشجعتُ عليها عندما وجدتُ في "اليونان" أهلي وناسي من بلدي يحتاجون للمساعدة، وجعلت ذلك الأولوية».

سمعته وتجربته وعلاقته الطيبة والرائعة مع أهلنا السوريين، وصلت صداها إلى آذاننا من أكثر من شخص استفاد منه، نادراً ما نسمع عن هكذا شخصية، يضحي بماله وسيارته واختصاصه ووقته، وأكثر من ذلك ينتكس صحياً من أجل أهله من بلده دون أن يعرفهم أو يكون له صلة بهم، كثير من الأسر بمجرد وصولها لتلك الدولة، تسأل عنه من أجل المساعدة، ومواقفه اليومية تستحق التقدير

ويتابع "نصر الدين" عن مبادراته في "اليونان": «منذ العام 1983 حتى 1990 كنت أسأل عن الأسر السورية لتقديم المساعدة لهم، لأني سمعتُ عن وصولهم، عرفت حاجتهم لها، وفي تلك الفترة جاءتني 25 أسرة، منحتهم كل ما يحتاجونه، لم يكن بينهم أي قريب أو صديق، كلهم كانوا سوريين، وبعد نيل شهادة الصيدلية بنهاية الثمانينيات كانت المعيشة صعبة، لم أفكر بمعيشتي وتأمين رزقي، كان همي توفيرها للقادمين من بلدي، متواصلاً مع أصدقائي في "بلغاريا" أيضاً للغاية نفسها، كان حرصي وهدفي أولاً أن تكون المساعدات ضمن الإطار القانوني، هو ما حصل ويحصل حتى تاريخه، عام 1997 ارتحتُ نسبياً بعد نيل الجنسية اليونانية، حيث كنتُ أعاني كثيراً قبل ذلك».

زيارات يومية للمخيم باليونان

وعن نوعية المساعدة التي يقدمها قال: «أذهب لجميع الدوائر والمؤسسات لتسيير معاملات السوريين، وأقطع مسافات طويلة للمهمة نفسها، من الصباح الباكر أتوجه إلى الحدود، للاطمئنان عن أحوالهم وأوضاعهم، أكثر ما كان يؤلمني ويهمني بالدرجة الأولى الأطفال وكبار السن، سيارتي الصغيرة كانت تحت تصرفهم، إحدى المرات نقلتُ أسرة من الحدود إلى "اليونان" كنا 6 أشخاص بداخلها، والعدد مخالف لقانون سيرهم، كنتُ مضطراً لذلك، أوقفني شرطي السير، عندما علم بأنها خدمة إنسانية لم يخالفني، عندما بدأت الحرب، ازدادت الأعداد إلى الحدود، ما شكّل عليّ جهداً وضغطاً كبيرين، كنتُ بشكل شبه يومي معهم».

يضيف الصيدلي: «كل يوم أذهب للحدود ونقاط تجمع اللاجئين، أسعى لتقديم كل ما يريدونه، بما في ذلك الترجمة، كانت مهمّة أحياناً كثيرة، تواصلت مع أسرة من "اللاذقية" باللغة الانكليزية، كانت فائدتها كبيرة، أعلمتهم بأنني سوري وقادم لمساعدتهم فقط، عبرت عن سعادتها عندما علمت أني من "القامشلي"، في فصل الشتاء أذهب صباحاً وأعود منتصف الليل، في كل لحظة استقبال وتقديم الأدوية والملابس والطعام والشراب، كل ذلك وغيرها دون مقابل، مساعداتي كانت شاملة بما في ذلك الجانب النفسي، فقد كانت الرحلة شاقة والغربة أصعب، كنت أساهم بتخفيف أنين الغربة والمخيم، في ذلك الفصل أحاول وبالتنسيق مع أشخاص داخل "اليونان" لنقل كبار السن والأطفال إلى منازل تحميهم من البرد والمرض، حصل للعشرات».

سعادته بسعادة الناس

ومما يتحدث به عن حاله مع السوريين: «أحياناً أنام بالمخيم لصعوبة العودة بوقت متأخر، لأقوم بتأمين وتسجيل ما يلزم بشكل يومي للأهالي الواصلين، في إحدى المرات سجلت لـ 1200 شخص لتحديد أعمارهم للملابس والمستلزمات، ساعات طويلة من العمل وشرب القهوة فقط، سببت ارتفاعاً لضغط الدم عندي، تعرضتُ لانتكاسة صحيّة، لكني عدتُ لمساعدتهم بعد يوم واحد فقط، كنتُ أنسى الوجع والتعب والمرض لمجرد مساعدة الناس، وضمن المخيم لم أفكر يوماً بأن أعطي الأولوية لأهل "القامشلي" أو الجزيرة السورية، كل المناطق كانت واحدة عندي، اضطررت لبيع سيارتي لمتابعة هذا العمل الإنساني، وكذلك تضررت صيدلتي، لم يكن هناك أيّ شخص يداوم فيها غيري، وكنتُ أغيب عنها كثيراً، باتت منسية أيضاً من كثر الإغلاق، تبقى سعادتي بسعادة من يصلني وأقدم خدمة لهم، وجدت ذلك أثناء زيارتي "هولندا" تعرّفت عليّ أسرة لم أكن أعرفها، فقط لتشكرني على خدمتي لها في "اليونان" دمعت عينيّ في تلك اللحظة، شعرت بنشوة خدمتي».

له جانب آخر من المساعدة قال عنها: «كانت لديّ زيارات إلى أماكن معيّنة "باليونان" للحصول على ملابس وأحذية وغيرها من أمور يحتاجها أهلي في المخيم، كنت أصلها بنفسي، بالمقابل كنت أبحث في المخيم عن زوائد الأكل والفواكه، لأذهب بها إلى جهات معينة بذات الدولة، لتصرف في المكان الصحيح، الأهالي يومياً كانوا يطلبون مني حاجات معيّنة، بما في ذلك طلباتهم بالحصول على أجهزة جوّال وآيبات وحواسيب كنت أجلب بعضها من منزلي، بعض المطالب كانت صعبة وكنتُ أنفذها، وأمور كثيرة ومساعدات جمّة، بعضها لا يمكن تدوينه، تبقى نصيحتي أن يخدم الشخص أهله وناسه دون مقابل، ودون انتظار منفعة، تحفظ ذاكرتي قصصاً فيها أوجاع وآلام وأفراح، تحتاج معرضاً كاملاً لعرضها».

"خليل محمود" من أهالي بلدة "معبدة" بمحافظة "الحسكة" قال عن الصيدلي "نصر الدين": «سمعته وتجربته وعلاقته الطيبة والرائعة مع أهلنا السوريين، وصلت صداها إلى آذاننا من أكثر من شخص استفاد منه، نادراً ما نسمع عن هكذا شخصية، يضحي بماله وسيارته واختصاصه ووقته، وأكثر من ذلك ينتكس صحياً من أجل أهله من بلده دون أن يعرفهم أو يكون له صلة بهم، كثير من الأسر بمجرد وصولها لتلك الدولة، تسأل عنه من أجل المساعدة، ومواقفه اليومية تستحق التقدير».

يذكر أنّ "نصر الدين رمضان" من مواليد منطقة "المالكية" 1962.