في لوحاته مساحة جمالية تعكس مقاييس متفردة من الروعة والكمال، كأنها أشبه بفكرة تتبلور لتحقق حلماً من الرغبة والأمل ضمن إطار من الدهشة والقوة، بضربات من الألوان الجريئة تحمل طقوساً روحيةً.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 1 نيسان 2019، مع المهندس والفنان التشكيلي "عمران شيمخوس"، ليخبرنا عن ملامسة اللون الأولى للوحاته في طفولته، حيث قال: «هي أقرب إلى طفولة أغلب سكان القرى السورية، حيث تأخذ الكثير من إمكانات النفس الكامنة وتعطي الإرادة قوة إحياء تلك الإمكانات مرةً أخرى، وما يميز طفولتي هو أنني ابن "الجزيرة" السورية، حيث تسكن في قلبي وذاكرتي مواسم الحصاد الصفراء والبراري الممتدة على مدى النظر، حيث القمح والقطن، والقطا تطير من أعشاشها أيام الحصاد، والمنظر المهيب لنهر "الفرات" وامتداده "الخابور"، وسحر الطبيعة بأشكالها المتنوعة والمختلفة، ربما لأنني كنت مرافقاً لوالدي وحصادته القديمة الخضراء، وشفق يفرح بقرب انتهاء ورديتي بعد ليلٍ متعبٍ، وأنا أخيط أكياس القمح ضمن مشهد يُجسد انفعال وانبهار اللون بأقصى درجاته وشفافيته، وهناك كنت أتعلم وأراقب وأحبس أنفاسي في رحلة صوب الخيال تحتاج إلى ضمها عبر الرسم».

لقد أعطتني كلماته قوة دافعة إلى الأمام وقدراً كبيراً من الأمل والثقة، والتحقت بكلية الفنون الجميلة، ثم أنهيت السنة الأولى، وكنت معجباً جداً بمادة الحفر "غرافيك"، وترفعت إلى السنة الثانية في عطلة الصيف، ثم حصلت على منحة دراسية من جمعية الصداقة الروسية، وسافرت إلى "موسكو"، مع الأسف كانت المنحة الدراسية لدراسة هندسة النفط والغاز، وعلى الرغم من ابتعادي عن المجال الفني دراسياً، إلا أن الفن بقي هوايتي وبوصلتي، وأنهيت دراستي الجامعية وبقيت مغترباً

وتابع بالقول: «أنهيت الثانوية العامة وتقدمت لفحص كلية الفنون الجميلة بجامعة "دمشق". يوم الفحص كان مشهداً مهيباً لي بقاعاته الكبيرة والعدد الهائل من المتقدمين لامتحان القبول، ونظراً إلى قلة عدد المطلوبين؛ حيث كان كل المطلوب خمسة وسبعين طالباً، فعليّ أن أقدم وأظهر براعتي ليتم اختياري، وما زلت أتذكر حتى اليوم دخول الفنان التشكيلي "فاتح المدرس" وهو ينظر بعينيه الثاقبتين ويمشي بهدوء بين الطلاب، توقف عند طاولتنا أنا وأحد أصدقائي ونظر إلى الهوية الشخصية ولوحاتنا المرسومة بقلم الرصاص، ثم أردف بالقول أنتم من الجزيرة؟ فوقفنا خوفاً واحتراماً، وأجبنا بنعم أستاذ، أضاء في فكري منارة بالقول باللغة العامية: (كملوا هيك، ولا تخافوا، من هلا بقدر بقلكم ألف مبروك، شغلكم حلو كتير)، ثم أكمل طريقه».

تمازج لوني

وأضاف: «لقد أعطتني كلماته قوة دافعة إلى الأمام وقدراً كبيراً من الأمل والثقة، والتحقت بكلية الفنون الجميلة، ثم أنهيت السنة الأولى، وكنت معجباً جداً بمادة الحفر "غرافيك"، وترفعت إلى السنة الثانية في عطلة الصيف، ثم حصلت على منحة دراسية من جمعية الصداقة الروسية، وسافرت إلى "موسكو"، مع الأسف كانت المنحة الدراسية لدراسة هندسة النفط والغاز، وعلى الرغم من ابتعادي عن المجال الفني دراسياً، إلا أن الفن بقي هوايتي وبوصلتي، وأنهيت دراستي الجامعية وبقيت مغترباً».

أما حول المدارس الفنية التي تأثر بها ومشاركاته، فقال: «معظم مشاركاتي في معارض خارجية في كل من "موسكو" و"كازاخستان" و"ألمانيا"؛ لكوني مغترباً وليس لدي معارض في "سورية"، ولم أتقيد يوماً بالمدارس الفنية أياً كانت، فاللوحة لغة بصرية مكتوبة بأبجدية خاصة يقف المرء أمام قدرتها التعبيرية عاجزاً، وتمثل بخصوصيتها نوعاً خاصاً من المنظور الفني، فهي وليدة لحظة شعورية عميقة لا تتكرر، وإنما تتجسد عبر اللون وخطوط الرسم، لتكون حالة خلاقة وإبداعية، لكنني كمعظم فناني الجزيرة كان معلمنا "عمر حمدي مالفا" مثالاً وقدوةً، وقد تأثرت جداً بألوانه».

جمال

الناقد والفنان التشكيلي "أديب مخزوم" حدثنا عن الفنان التشكيلي "عمران شيمخوس" بالقول: «يسعى عبر لوحاته إلى إعلان اللوحة كمشروع ثقافي، يروي حقائق حياته وتأملاته للواقع المأساوي، من خلال العناصر الإنسانية المختزلة والمتداخلة مع التجريد اللوني، كذلك يختزل عناصر الطبيعة ولا يبقى منها إلا إشاراتها الدالة عليها، والنور في تلك اللوحات عنصر أساسي ويتوازن مع مساحات اللون، الذي يعطي اللوحة مداها الإيقاعي البصري لتطرب العين، من جهة أخرى يبدو في لوحات المرأة والعناصر الإنسانية كفنان ملتزم بأزمة الإنسان المعاصر، فالوجوه بائسة وضائعة، وتتداخل مع مساحات التجريد، وتتحول الشخوص أحياناً إلى ظلال، و"عمران" يتمسك بالحرية التعبيرية، ويؤكد ملامح إسقاط الذات، عبر الحركات اللونية العفوية، وصولاً إلى الوهج المتدرج، ومساحات البياض، حيث يجعل البياض طبقة يطلي بها طبقات لونية أخرى تظهر من خلاله».

وأضاف: «لهذا كان إصراره في أعماله الجديدة على البحث عن معنى جديد للمساحة، من أجل إيجاد حركة موسيقية ونغمية مشحونة بغنائية اللمسة العفوية والتلقائية، كل ذلك في خطوات البحث عن حقائق جمالية جديدة، لأن الوصول إلى اللوحة التعبيرية المغايرة، يعني دوماً إيجاد أو ابتكار أبجديتها ولغتها ومناخاتها الخاصة المفتوحة على المفاجآت الدائمة، وهكذا بات التجريد متداخلاً مع الأشكال التعبيرية، وأضحى الغناء اللوني المتتابع في إطار لوحاته أشبه بنوتات موسيقية بصرية لألوانه، وما عصف بها من انفعالات. من أهم صفاته أن لوحاته تمحو الخطوط المتزمتة بين الواقع والتجريد، وبذلك يحقق في تطلعاته خطوات التواصل الحي والتناغم الإيقاعي مع الطروحات الحديثة لتعبيرية الأشكال، وصولاً إلى التجريد، الذي لا تغيب عنه إشارات وإيحاءات الواقع؛ وخاصة الطبيعة والعناصر الإنسانية».‏

شغف

بقي أن نذكر، أن المهندس والفنان التشكيلي "عمران شيمخوس" من مواليد قرية "عامودا" التابعة لمحافظة "الحسكة" عام 1967، درس هندسة النفط والغاز، ويقيم في "ألماتي" في "كازاخستان".