شغلت الرسوم المتحركة وقصص الأطفال حيّزاً كبيراً من أعمال الفنان المغترب "فواز سلامة"، إلى جانب اهتمامه بالتشكيل، وأبدع في "البورتريه"، حيث مزج الحلم بالواقع، وله نظرياته الخاصة في الفن والحياة.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت معه في مكان إقامته بمدينة "دبي" بتاريخ 28 تشرين الأول 2016، حيث تحدّث عن مسيرته الفنية، وقال: «لم يكن الفنّ ذات يوم للدراسة بقدر ما كنت أتمنى دراسة الأدب لولعي بالقراءة، لكن مجموعي العلمي لم يخوّلني إلا لدراسة معهد الفنون الذي انتسبت إليه بمحافظة "الحسكة"، ومن خلاله تعرفت إلى الفن أكثر من الرسم، وتميّزي به أعطاني الدافع للاستمرار والعمل بمجال رسم اللوحات والرسوم المتحركة، وسعياً مني إلى تطوير مهاراتي الفنية، سافرت إلى "روسيا" الاتحادية، وتابعت دراستي الأكاديمية بمجال الفنون، وخلالها اطلعت على الفنون الغربية، وبدأت عملية البحث والتجريب والعمل على مشروع اللوحة حتى يومي هذا».

أغلب الأعمال التي ليس لها ذاكرة تغيب وتضيع مع شبيهاتها التي لا عنوان لها، لكنها لا تموت، بل تبقى الأعمال التي تحمل في طياتها شيئاً من الفنان أو مكانه، لتأخذ حيّزاً من الذاكرة البعيدة

عن أسلوبه الفني، يتابع: «أؤمن بالتجريب وما ينتج عنه، أميل إلى الانطباعية، وأحياناً يكون عملي أقرب إلى الغرافيك وتعدد الخامات بالعمل الواحد، العمل الفني يحتاج إلى الكثير من التأمل والتفكير، وكثير من التخطيط الذي يبدأ من دراساتي الأولية على الورق، التي تقدم لي متعة قبل البدء بالعمل، وعادةً أخرج من الدراسة التي بدأت بها، ومازال السطح الأبيض للّوحة يشعرني بالرهبة؛ فأراني أنتزع هذا اللون وأخلصه من وقاره ببعثرة الألوان عليه لأستطيع بعدها الولوج في مراحل العمل، يدهشني التأثير الذي يحدث على سطح اللوحة من ثخانات وشفافية، محاولاً الإبقاء عليها بفطرتها».

خلال رسم إحدى اللوحات

ويتابع عن تعامله مع اللون، وما شغل اهتمامه: «أتعامل مع اللون بما أحتاج إليه، وما يحتاج إليه العمل، أحياناً أتعامل معه كثيفاً زاهياً متداخلاً هاجماً كالموج، وهارباً من التفصيل بالجزئيات معبراً عن الفرح والطاقة، وعندما أكون سعيداً أميل إلى اللون الصريح المشبع الأقرب إلى الانطباعية، وأهرب من قوته أحياناً لتجده فقيراً يتخلله الخط والدخول في التفصيل عندما أشعر بالحزن، شغل اهتمامي الإنسان وما يحمله من معاناة وأحلام متمثلة بالتعابير التي ينطبق بها وجهه، أو الوضعيات التي تتخذها الشخصيات من تأمل وشرود ضمن فراغ واسع يحيط به؛ ففي المرحلة الأولى احتلت المرأة بطولة العمل، فكان الحلم مسيطراً على مجمل الأعمال، وبعد عودتي من "روسيا" سيطر الرجل والشيخ على أغلب أعمالي التي كانت تميل إلى الواقعية بالرسم والمضمون، بعيداً عن الحلم والأماني لتدخل الواقع من جميع عناصره، أما مرحلة عملي الحالية، فتتّسم بالمزج بين المرحلتين».

وعن أهم ما اتّسمت به أعماله، يضيف: «في أعمالي الكثير من العناد، وصعوبة الإقناع بـ"الموديل"، ولا سيّما "البورتريه"؛ فعند العمل والغوص بالموضوع أجده عملاً عظيماً، وبالعودة إليه مرة أخرى أجده عادياً لا يستحق كل هذا العناء، وأبعده عن نظري لمدة وأعود إليه؛ فأراه بوجهة نظر أخرى فيها عقدة المبدع مع عمله لكثرة الاندماج بالعمل، تتراوح المشاعر ما بين الحب والكره، لينتصر أحد المتصارعين بالنهاية، أو تلغيه لتبدأ جولة جديدة».

وجه من بلدي إحدى لوحاته

وحول مقولة: (العمل الذي لا يحمل ذاكرة يموت سريعاً)، يقول: «أغلب الأعمال التي ليس لها ذاكرة تغيب وتضيع مع شبيهاتها التي لا عنوان لها، لكنها لا تموت، بل تبقى الأعمال التي تحمل في طياتها شيئاً من الفنان أو مكانه، لتأخذ حيّزاً من الذاكرة البعيدة».

وعن مشاركاته وأهمّ ما تميّزت به أعماله، قال: «تعدّدت مشاركاتي الفنية بين معارض وملتقيات في "سورية، والخليج، وروسيا، وأوروبا"، وجميعها مثّلت محطة اطلاع لي على أحدث الخبرات بهذه البلدان، يغلب على لوحاتي وجود انطباع وتعبير بشخوصي؛ فهي غير جامدة، والحالة التي تخبرنا عما يجول بداخلها ضمن الفراغ الواسع الذي أحيطه بالشخوص لتأخذ حقّها بالبروز، هارباً من حالة الزخرفة وزحام العناصر».

التشكيلي أنور الرحبي

ويضيف عن احترافه بمجال الرسوم المتحركة: «بداياتي مع فنّ الرسوم المتحركة وقصص الأطفال تعود إلى زمن بعيد، عملت بها كمصمّم ومخرج، ولها أثر كبير بتطوير مهاراتي وخطي بالرسم، عملت مع عدة قنوات وشركات إنتاج بهذا المجال، منها: "spacetoon"، و"mbc"، ومن أهم الأعمال التي عملت بها: فيلم "خيط الحياة"، و"مدينة المعلومات"، و"دمتم سالمين"، و"دانيه وعزوز"، إضافة إلى بعض الأفلام القصيرة، منها: "الجدار"، و"بداية ونهاية"، وبعض الدعايات الإعلانية، وقصص أطفال لدور النشر العربية، وكل ما قدمته يركز على الطفل؛ فهو المستقبل بنظري، وقد أهمل كثيراً، ولم ينل الاهتمام به كمشروع لبناء مستقبل ذي بنية متينة».

وعن رأيه بالحالة الاجتماعية والعوامل المحيطة التي تؤثر في عطاء الفنان، أضاف: «للمحيط أثر كبير في الفنان ونتاجه؛ فهو بحاجة إلى الدعم والتفرّغ لعمله الفني من دون اللجوء إلى عمل آخر يستهلك طاقته ووقته؛ وهذا ما تفتقره الساحة الفنية نسبياً، وهنا أؤكد على ضرورة دعم المواهب الشابة لما لها من أهمية في رفد الحركة الفنية، وضخّ دم الشباب المتجدّد كي لا تتحوّل الساحة الفنية إلى متحف كبير مغلق على أطر قديمة، وأنا عملت على هذا من خلال التدريس بكلية الفنون الجميلة في "دمشق"، ومعهد "الفنون التطبيقية"، ومركز "أدهم إسماعيل"، إضافة إلى ورشات العمل باللوحة والرسوم المتحركة».

ويعبّر عن رأيه بالأعمال الفنية المعاصرة، ويقول: «أنا مع التجريب وتحرير الفنّ من الأطر التي وضع فيها، وأودّ الإشارة إلى أنه عندما تكسر الأطر يجب أن يكون العمل جديراً بالعرض والمشاهدة، مع تحقّق عنصري الإمتاع البصري والفكري والإدهاش، أما أن تجرّب وتعرض كل تجربتك بصرف النظر إن كانت ترتقي إلى مستوى العرض أم لا، فأظنّ أن هذا استسهال وابتذال».

ويتحدّث عن دور الفنان التشكيلي المغترب: «للفنان السوري دور بنقل تجربته الخاصة إلى أبعد من المحلية، وكثيرون من الفنانين حققوا نجاحات لما كان من تأثير قوي لأعمالهم، وأقول تجربتهم الخاصة؛ لأن أغلب أعمالهم لا تمتّ إلى خصوصية وهوية المكان، برأيي لا توجد حتى الآن هويّة خاصة للعمل السوري، فأغلب الأعمال أقرب إلى العولمة من المحلية».

وعنه قال الفنان التشكيلي "أنور الرحبي": «تمثّل أعماله رافعة حقيقية للخط، وقيمة هذا الخط في البورتريه، دراماتيكي بتقديم شخوصه، من الفنانين الذين يمتلكون نواصي الخط واللون معاً، ويسدي إلى صاحب "البورتريه" قيمة عاطفية وإنسانية من خلال المشهد الشخصي للأشكال التي يريد أن يرتبها عبر حواره مع الشخص بالدقة التي لا تخرج من القيمة اللونية، فنان جميل بشخوصه التي يرتبها في "تابلوهاته" التي تستحق كل التقدير».

"نضال ديروان" مدير شركة إنتاج فنّي عنه قال: «هو من التشكيليين الذين غيّبوا أنفسهم في مجال التشكيل؛ لأنه انصرف لمدة طويلة للعمل بمجال الرسوم المتحركة، وبدأ بعدها مشواره الفني أكاديمياً بالمعاهد التشكيلية، واستطاع بسرعة إثبات حضوره الفني من خلال رسوماته التي كان ينجزها أمام طلابه والمتلقين، وقد تميزت بمصداقية جمعت بين شخصه وقدراته. أما في مجال الرسوم المتحركة؛ فهو يعمل بحرفية وتقنية وحسّ أكاديمي، هو شخص صادق ومتواضع».

يذكر أن التشكيلي " فواز سلامة" من مواليد مدينة "الحسكة"، عام 1977، حاصل على بكالوريوس ودبلوم من أكاديمية الفنون الجميلة بروسيا الاتحادية 2009، خريج مركز "أدهم إسماعيل" للفنون الجميلة بـ"دمشق" 2003، شارك بالعديد من الدورات التخصصية بمجال الرسوم المتحركة والمونتاج وصناعة الأفلام القصيرة، ودورة لإدارة الأعمال، من هواياته المطالعة والرياضة.